إعلام “الطوندونس”.. حين تتحول الميكروفونات إلى أدوات للتشهير لا للتنوير
في كل مهرجان أو تظاهرة فنية أو مناسبة عامة، لا يفوت بعض المنابر الإعلامية الفرصة لتوجيه عدسات كاميراتها صوب شباب وشابات مغاربة، ليس بقصد نقل الحدث أو تغطيته بمهنية، بل بهدف صيد هفوات وتفاهات، وانتقاء أكثر الردود ارتباكًا وسذاجة لتقديمها على أنها تمثل “الصوت الحقيقي” لجيل بأكمله.
إنها ممارسات لا يمكن وصفها إلا بالمقصودة والممنهجة، حيث يُقصى الرأي الرصين، وتُهمّش الكفاءات، ويُحتفى بدل ذلك بلقطات مرتجلة ومحرجة، تُمنتج وتُبثّ بطريقة توحي بأننا أمام جيل جاهل، فارغ، يعيش في قوقعة “الترند” و”البوز”، ويجري خلف المظاهر والسطحية، دون أدنى وعي أو نضج.
وهنا يطرح السؤال نفسه: من سمح لهذه المنابر أن تتحدث باسم المغاربة؟ ومن أعطاها الحق لتختزل صورة الشعب في دقائق من السخرية المعلبة؟ وهل بات السبيل إلى الشهرة والمشاهدات هو تشويه الإنسان المغربي وكرامته؟ لقد صار واضحًا أن بعض “المنابر” لم تعد تهتم لا برسالة إعلامية ولا بقيمة مهنية، بل جلّ همّها هو اصطياد المقاطع التي تثير الضحك والسخرية، حتى وإن كانت على حساب كرامة المواطن، وسمعة البلد.
المثير للسخرية أن هذه المنابر تتغذى على تلك الصور المشوهة، فتتاجر بها داخل الوطن وتصدّرها للخارج، دون وعي بما تخلّفه من انطباعات سيئة لدى الآخرين عن الشعب المغربي. فبدل تقديم المغرب كبلد ثقافة، فن، وتنوع مجتمعي، يتم تقديمه كموطن للسطحية والفراغ المعرفي، وكأن لا وجود في هذا البلد إلا لأولئك الذين يتلعثمون أمام الكاميرا أو يتحدثون بخفة لا تعكس سوى لحظة عابرة.
ما نطالب به ليس تكميم الأفواه، ولا فرض رقابة على الإعلام، بل نطالب بمسؤولية. نطالب بمنابر تحترم من يشاهد ومن يتحدث، وتؤمن بأن نقل صوت الناس لا يعني تعريتهم أو تسفيههم. الإعلام ليس فخًا ولا مصيدة، بل رسالة تنوير وتثقيف، وليس تسلية رخيصة على حساب كرامة المواطن.
إن ما يحصل يستدعي دق ناقوس الخطر. فصورة المغاربة لا ينبغي أن تكون أداة للترفيه الرديء، بل ينبغي أن تُنقل بكل تنوعها وعمقها. الشباب المغربي ليس كله كما يُظهرونه، فبينهم من يشتغل، من يدرس، من يبدع، ومن يصنع الفرق داخل الوطن وخارجه. أما التركيز على لقطة أو تصريح عابر في لحظة حرج أو مزاح، ثم تعميمها، فذلك ليس إعلامًا، بل إساءة ممنهجة.
في النهاية، لا بد من صحوة مهنية، ومحاسبة صارمة لكل من جعل منبره سوقًا للتهكم والسخرية على حساب صورة شعب كامل. فالإعلام إما أن يكون في خدمة الوطن أو ضد مصالحه، ولا وجود لمنطقة رمادية.