عبد الصادق شحيمة
تكتسب هذه الحكايات أهميتها الفنية والجمالية من كونها تمرر قيما إنسانية رفيعة متقاسمة بين بني البشر، وتعريف القارئ المغربي بها كفيل بتعريفه بإفريقيا، القارة المرتبطة في أذهاننا وذاكرتنا بالحروب والمجاعات والنزاعات، في حين أنها مكون من مكونات هويتنا ووجودنا الذي لا يستقيم في مبعد وغياب عن البعد الإفريقي.
إن الرافد الإفريقي المنتبه إليه في دستور 2011، سيظل كلاما عاما فضفاضا إذا هو لم يشد ويتعزز بمبادرات ثقافية من مثل ما قام به المترجم محمد بوعابد، ولهذا يعتبر الشاعر مراد القادري هذا الكتاب إضافة تربوية وثقافية ستمكن أبناءنا من ذاكرتهم الإفريقية وترسيخ هويتهم المتعددة.
أما عن الكلمة الثانية التي وقع بها التصدير فهي كلمة الأستاذ الناقد حميد منسوم الذي اعتبر الكتاب أدغالا من الدهشة وأرخبيلا من الحكايات والأساطير الإفريقية مرتبطة بالطفولة الإنسانية وبأصل الكون. مررت عواملها السردية من شخصيات قدت من عالم الحيوانات والطبيعة، وهي تحمل معها مخيال وعادات لقارة تعتبر من أعرق القارات. دون نسيان التبشير بمجموعة من القيم كالإيثار والتضحية والتعاون والصدق والصداقة وصراع الخير والشر.
ينتقل الأستاذ حميد منسوم ليتحدث عن اللغة العربية الشفيفة التي ترجم بها محمد بوعابد هذه الحكايات مشيرا إلى أنها تمثل إبداعا على اللغة الفرنسية التي كتبت بها جيزيل دوكشين هذه الحكايات.
ويستمر مفتتح وخاتمة حكاية الزوكولوبامبا التي خاطب فيها الله الطيور قائلا (عيشوا أحرارا طلقاء في الأرض)، ليتساءل هل في ذلك تلميح إلى أن مبتدأ الكون ومنتهاه هو الحرية كقيمة مقدسة؟ إنه يقول الأستاذ منسوم سؤال تحريضي على قراءة ومواصلة الحكايات المداعبة لمخيلة الصغار، المشاكسة لعقول الكبار، خاصة وأن محمد بوعابد عززها بتقديم حول خيالنا ولعبنا الطفولي المغربي عامة والمراكشي بشكل خاص، وِذيلها بملحق خاص بالأدب الشفهي الإفريقي .
إن اختيار هذه الحكايات كمدخل لبناء المخيال الطفولي عند الناشئة يشكل هاجسا ضمنيا عند محمد بوعابد، وهو السر وراء لجوئه إلى المخزون الحكائي الإفريقي مستهدفا بث القيم النبيلة، وساعيا إلى تعليم أطفالنا أبجدية التعليل والسببية باعتبارهما مدخلين للحجاج..
يختتم الناقد حميد منسوم كلمته باعتبار الكتاب إضافة نوعية لأدب الطفل، على أساس أن مكتبتنا ما زالت تعاني فيه من خصاص. والجديد بالنسبة للأستاذ محمد بوعابد هو تطعيمه لهذا الأدب بمائدة إفريقية بعد سيطرة وهيمنة أدب الطفولة الأوروبي والآسيوي على أدب ناشئتنا.
تجمع كلمات التصدير الثلاثة السابقة على أهمية ما أقبل محمد بوعابد على ترجمته من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية لمجموعة الاعتبارات الآتية:
أولا: الحكايات سرد وهي نمط من أنماطه، والسرد أدب، والأدب شكل من أشكال الفكر، ولا مندوحة من أن يستند هذا الأخير في بعده النظري أي في علاقته بنظرية الأدب، على نظرية أدبية باتجاهاتها الكبرى المادية والمثالية والحديث عن النظرية حديث في الجوهر على القيم التربوية الأخلاقية التي تحفل بها هذه الحكايات، كما تحفل القارة بأدغالها وأساطيرها.
ثانيا: الحكايات باعتبارها إبداعا سرديا ماتعا تعبر عن اهتمام برافد من روافد ثقافتنا المغربية غيب وكبت وتنوسي لفترات طويلة من الزمن والإطلالة على الأدب الإفريقي من هذه الكوة تعبير عن إعادة الاعتبار لهذا الرافد الذي لا محالة سيمكن الدارسين من الإلمام بخصوصيات الأدب الإفريقي وسبر أغواره عبر مراحل نموه وتطوره. هذه الخصوصيات التي حاولت الدراسات الاستشراقية طمس معالمها عبر نزعة المركزية الأوروبية والتفوق الحضاري وعبر إسقاط مركبات نقص على أدب يزخر بالكثير من الفنون الشعبية والأساطير التي تعبر في مضامينها عن القيم الإنسانية المومإ إليها آنفا.
( يتبع )