آخر الأخبار

برلمان بلا برلمانيين: الكراسي في مواجهة القوانين

في بلاد العجائب مغربنا الحبيب ، اجتمع النواب… أقصد اجتمعت الكراسي.
333 نائبا ونائبة قرروا ممارسة هوايتهم المفضلة: الاختفاء الجماعي، وتركوا قانون المسطرة الجنائية يتيما، يتقلب فوق طاولة المصادقة بحثا عن ولي أمر يوقع عليه، أو على الأقل يقرأه قبل أن يُرمى في الجريدة الرسمية مثل ورقة ضائعة من دفتر محاضر مهترئ.

جلسة البرلمان؟ لا، لم تكن جلسة، بل كانت حفلة تأبين للجدية. الكراسي تصطف في هدوء، تبكي في سرها، وتتساءل:
“هل أُسند لنا تمثيل الأمة ونحن لا نملك فما ولا صوتا؟”

لو كانت الكراسي تنطق، لرفعت سؤالا شفويا تقول فيه:
“سيد الرئيس، أين الشعب الذي أرسل هؤلاء؟ وهل يمكن أن نحول القاعة إلى مكتبة عمومية؟ على الأقل، سيأتي من يقرأ.”

وإن كنت تظن أن جلسة التصويت كانت الفضيحة الوحيدة، فانتظر… لأن في جلسة أخرى، غاب ستة وزراء دفعة واحدة، وكأن الحكومة قررت أن تجرب سياسة الصمت الوزاري الإيجابي.

تحولت الجلسة من منصة مساءلة إلى صف يوجا برلماني. النواب يتأملون الفراغ، الكاميرات تصور الكراسي، والميكروفونات تسجل صوت الصمت بجودة عالية، بينما الوزراء ربما في منتجع ما، يمارسون التملص السياسي على الطريقة الفندقية: إقامة كاملة، بلا أجوبة، بلا حضور، بلا حرج.

في البرلمان المغربي، الغياب له هيبة، والكرسي هو النجم الأبرز.
الكرسي لا يغيب، لا يتلقى تعويضا، لا يتقاضى معاشا سمينا بعد ولاية نحيلة، ومع ذلك يلتزم بالحضور أكثر من النائب والوزير.

أيها المواطن، لا تغضب حين ترى قانونا ظالما أو مفرغا من الروح يُطبق عليك، تذكر أنه ربما كتب وناقشه أحد المقاعد الفارغة، وصادق عليه غياب مهيب.

أما الديمقراطية؟ فقد أخذت عطلة مفتوحة، وتركتنا مع برلمان يصلح لكل شيء… ما عدا التشريع.

ربما علينا أن نعدل الدستور المغربي، ونضيف مادة تقول:
“يُعتبر الغياب حضورا إذا زين بمبرر حزبي أو استثنائي أو موسمي، ويعاقب الحضور غير المؤثر بغرامة اللامبالاة.”

هنيئا لنا بهذا البرلمان الأنيق، حيث تتبادل الكراسي النظرات، ويتبادل النواب رسائل الاعتذار.
وهنيئا لنا بهذا الوطن، الذي صارت قوانينه تُصاغ في الفراغ، ويصادق عليها الأشباح، ويطالب فيه المواطن بالالتزام، في حين لا يحضر لجلده أحد.

الكرسي المغربي اليوم ليس مجرد أثاث… إنه مؤسسة.
ولو طُلب مني التصويت، لصوت له رئيسا للغرفة، لأنه، على الأقل… لا يخذلنا.