خلصت الندوة الصحفية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، الى انه من الأكيد أن الجائحة لم تعمل سوى على تعرية وكشف واقع مرير يتم التستر عليه ، في مجال الحماية الاجتماعية والحق في الصحة.
فالجائة نقلت الأزمة الهيكلة للحقل الاجتماعي من السري الى العلني وكذبت كل السياسات العمومية المتراكمة لسنوات، فقد أظهرت مبلغ الخصاص المهول في القطاعات الاجتماعية الصحة ،التعليم، الحماية الاجتماعية، حيث برز بشكل مخيف حجم الفقر والهشاشة والغياب شبه التام للرعاية الاجتماعية لفئات عريضة من الأسرة وللملايين من المواطنات والمواطنين.
كما بينة الجائحة أن القطاع العام خاصة الصحي واجه الجائحة رغم ضعف بنياته وقلة الاطر وضعف المتطلبات والمستلزمات، وتبين أن القطاع العمومي هو الرافعة الأساسية لقطاع الصحة، وان خطابات الشراكة والخوصصة لا تعدو أن تكون اساليب لتخلي الدولة عن ادوارها في اعمال الحق في الصحة والحماية الاجتماعية.
لقد ظهر أن القطاع العام بأعطابه والخصاص الواضح كافحت اطره للتصدي للجائحة وان كان ذلك على حساب تقديم خدمات صحية أخرى خارج كوفيد 19.
كما كشفت الجائحة عمق الأزمة الاجتماعية وأساس غياب الحماية الاجتماعية.
يشكل موضوع الحماية الاجتماعية أهم المواضيع المطروحة على الساحة السياسية المغربية. و قد روج إعلام الدولة لكون هذا الورش يشكل بوابة الخلاص للطبقات الفقيرة و الهشة.
لا شك أن الحماية الاجتماعية تعنى أيضا تمكين المواطن من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية، فهي في الكثير من التجارب الدولية بوابة للقضاء على الفقر بمفهومه المتعدد و المتمثل في عدم استفادة الفرد من الخدمات الاجتماعية، و التي يأتي على رأسها القطاع الصحي.
و للتركيز على الموضوع دون مناقشة قصور الدولة من خلال هذا الورش على معالجة الحماية الاجتماعية من كافة جوانبها وفي إطار شمولي، سنركز أكثر على جانب التأمين الصحي…
إن وضع القطاع الصحي في المغرب لا يحتاج إلى إعادة تشخيص، فالكل يشهد الانهيار التام للمنظومة الصحية خلال أزمة كورونا، كما أن وضع التأمين الصحي في أحسن الأحوال لا يقتصر إلا على فئة قليلة من طبقات الشعب، ثم الصمت الغريب الذي يكتنف توقف برنامج راميد الذي أبان عن فشله منذ الوهلة الأولى، أضف إلى ذلك ملفات الفساد الذي يدور في فلكه نخبة المسؤولين بأكبر منظومة للتغطية الصحية: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون أية متابعات أو محاسبة… كما أن باقي المنظمات الصغرى فهي مجرد شركات تهدف إلى الربح لتفرض على إثر ذلك شروطا مجحفة للانخراط فيها، مقابل تعويضات إحسانية تزيد من فقر منخرطيها.
و بالنظر للارتباط الوثيق بين التغطية الصحية أو التأمين الصحي بوضع المنظومة الصحية للبلاد فإن تنفيذ مشروع الحماية الاجتماعية في هذا الشق لا يمكن أن يتم دون تغيير حقيقي يطال هذه المنظومة من ناحية بنيات الاستقبال و التجهيزات و الموارد البشرية و طرق تدبير القطاع برمته ليجعل خدماته متاحة لجميع أفراد المجتمع و على قدر المساواة.
و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مضامين قانون السنة المالية 2022، يتضح و بشكل ملموس عدم جدية الدولة في النهوض بالقطاع بناء على ما سبق: فليس هناك تغيير على مستوى الموارد البشرية و لا البنيات و لا التجهيزات، و يبقى وضع القطاع مترديا على ما هو عليه على اعتبار أن ذات القانون المذكور لا يتضمن أي جديد يذكر، إذن كيف سيتم تعميم التغطية الصحية و التأمين الصحي في غياب نهوض جذري وجدي بالقطاع الصحي؟
إن تزايد استثمار رأس المال في هذا القطاع، جعل صحة المواطن بيد شركات أو مستثمرين و جعل هذه الخدمة سلعة تزيد من استغلال الإنسان للإنسان. و هذا ما يبين تخلي الدولة عن مسؤوليتها في هذا الباب على اعتبارها دستوريا ميسرة للاستفادة من خدمات هذا القطاع و ليست ضامنة لهذا الحق. فكيف للدولة و هي فقط ميسرة ستضمن استفادة الفئات المقهورة من التغطية الصحية في شقها الإجباري فقط، علما بأنها تقع في أيدي رأس المال، لعدم توفر القطاع على بنيات قادرة على استيعاب و لو جزء يسير من الفئات الشعبية؟
وتظل الاستراتيجيات الحكومية التي تربط بين تحقيق معدلات نمو أكبر وتوفير فرص الشغل تصب في مصلحة الاستثمار العمومي والخاص ولن تضيف شيئا لإعمال الركائز الأربعة للحماية الإجتماعية:
التغطية الصحية الشاملة
التعويضات العائلية الشاملة
التعويض عن فقدان الشغل
التقاعد لكل النشيطين
فالواقع يثبت عكس مضمون الشعارات خصوصا في ظل تدني القدرة الشرائية واستحالة تسديد الأجير أو المستفيد لحصته في الحماية الإجتماعية وتملص الباطرونا من الإدلاء بعمالها فبالأحرى تسديد حصتها.
و يبقى القطاع غير المهيكل أكبر التحديات والذي تضاعف حجمه خلال الثلاث سنوات الأخيرة وغياب أية مقاربة حكومية لمعالجتها، خاصة انه حسب إحصائيات بنك المغرب ،فالقرآن غير المهيكل يساهم بحوالي 40% من الناتج الخام الوطني، ويشغل 80% من اليد العاملة. وهذا وحده يبين أن شرائح واسعة والتي تقدر بما يتجاوز 60% لا يتوفرون على اية تغطية اجتماعية ، وحتى بالنسبة للعمال المسجلين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمقدرين بحوالي 3 مليون عامل ، فإن جزء هام منه لا يستفيد من اية تغطية صحية نظرا لعدم التصريح أو التصريح بأيام عمل قليلة لا تسمح بالاستفادة من هذا الحق الملقى على عاتق الدولة طبقا لالتزاماتها الدولية.
خلال هذه الندوة سنحاول تسليط الضوء على العديد من الاشكالات والسياسات العمومية المعيشة لاعمال الحق في الصحة وفق اشتراطاتها الدولية ،والمتعلقة اساسا بمستوى معيشي لائق وتوفر الماء الصالح للشرب، والغذاء المتوازن، والسكن اللائق المتوفرة اساسا الصرف الصحي، وجودة البيئة و غيرها من المستلزمات.
وقد وقفت الندوة عن التمييز بين الحق في العلاج حسب التعريف الحقوقي ، وتبيان الفرق بين الحق في الصحة والعلاج ، مستحضرة جملة الاختلالات المالية والبشرية والخصاص المهول في البنيات والاطر الصحية الذي يقدر بما يتجاوز93 اطارا صحيا ، واستقرار الميزانية المخصصة للصحة وتحمل المواطن حوالي56% من المصاريف هو رقم مهول ، اضافة الى ضعف العرض الصحي وضعف الجودة كنتيجة لذلك. كما تطرقت الوقفة الى التمييز المجالي وكذلك التمييز على أساس الدخل والوضع الاجتماعي الذي يطالب الخدمات الصحية. ولم يفت الندوة الطرق الى فشل السياسات الدوائية والنقص الحاد في الادوية ، وارتفاع كلفة العلاج خاصة بالنسبة لبعض الأمراض كالسرطان وغيره.
والوصول الى رعاية اجتماعية وضمان الحماية الاجتماعية كما هو متعارف عليها في النظم الساعية الى دولة الرعاية الاجتماعية في أفق دولة الرفاه لا بد من توفر الإرادة السياسية الحقيقية ، والقطع مع الفساد واعمال الشفافية ، وبناء استراتيجية تستدمج الإنسان في صلبها، وتعتبر القطاعات الاجتماعية حاجة ضرورية وتمكينها من كافة الموارد المالية، واعتبار الصحة والتعليم والشغل حقوق غير قابلة للتصرف ورفع الاستثمار العمومي فيها وتأهيلها لرفع تحديات التنمية، كما وقفت الندوة عند الربط بين الديمقراطية وربط المسؤولية بالمحاسبة بتوفير الشروط الأنسب للحماية الاجتماعية. فالقول بالفصل المنهجي بين الحقوق السياسية واساسها الديمقراطية وبين الحقوق الاجتماعية بما فيها الحماية الاجتماعية ، لايستقيم ولن يؤدي إلى نتيجة تراعي اعمال الحقوق ، بقدر ما ستنتج عنه مزيدا من الكبوات والتأخر في اللحاق بركب التنمية الحقيقية ،والانتقال نحو دولة الرفاه ومجتمع الحقوق والحريات.