مغرب المحظوظين ومغرب البسطاء وجلالة الملك محمد السادس ينطق بالحقيقة المرة
في كل مرة كنا نسمع شعارات التنمية والتوازن الجهوي وعدالة الفرص كنا نعلم في قرارة أنفسنا أن الحقيقة شيء آخر أن مغرب التلفزة ليس مغرب الواقع وأن من يتحدثون باسم الشعب لا يعرفون شيئا عن يومياته وأن من يتفاخرون بنسب النمو لا يعيشون في الأحياء التي تنتج هذا النمو
لكن هذه المرة لم يأت الكلام من صحفي ساخط ولا من معارض ناقم ولا من باحث مستقل بل جاء من رأس الدولة نفسه حين قال جلالة الملك المغرب يسير بسرعتين ثم أضاف فلا مكان اليوم ولا غدا لمغرب بسرعتين جملتان تهزان الواجهة وتكشفان أن العطب لم يعد مخفيا ولا يمكن ترقيعه ببلاغات الوزارات ولا بحملات التجميل السياسي
في سياق حديثه الحاسم هذا أشار جلالة الملك بشكل واضح إلى ضرورة التحضير الجدي والفاعل للانتخابات التشريعية القادمة موجهًا وزير الداخلية مباشرة للإعداد لها بطريقة تعكس إرادة الإصلاح الحقيقية وتستجيب لطموحات المغاربة الذين تعبوا من الانتظار والوعود الفارغة
من دون مجاملة نحن بلد يعيش في مفارقة صارخة بلد فيه نخب تعيش الرفاه وتتنقل بسلاسة بين الفرص والتعيينات والمكاسب وبلد آخر غارق في الانتظار والاحتقار والخذلان بلد فيه من يخططون في فنادق خمسة نجوم كيف يعيش الفقراء وكيف يشتغل العاطلون وكيف ينصف من لا واسطة له ولا سند بلد فيه وزراء لا يعرفون سعر الخبز ولا عدد المدارس المتساقطة ولا أسماء الدواوير المنسية
المغرب الذي يسير بسرعة أولى هو مغرب المحظوظين الذين لا يشعرون لا بالحاجة ولا بالقلق ولا بالهشاشة هو مغرب الآمنين الذين يتحكمون في مفاصل القرار ويتقنون لعبة التوازنات والمصالح أما السرعة الثانية فهي سرعة البسطاء الذين ينتظرون حافلة مهترئة في حي بلا إنارة ويقصدون مستشفى بلا أطباء وينتظرون وظيفة لا تأتي ويصوتون في انتخابات لا تغير شيئا
جلالة الملك لم يوجه خطابه للمجهول بل وضع المسؤولين أمام مرآة مكشوفة حكومة بلا أثر أحزاب بلا مشروع جماعات محلية تشغل وقتها بالمهرجانات والتقاط الصور والتسابق نحو الولاءات وكأن البلاد لا تسير نحو الهاوية في عيون المهمشين
لا معنى للنموذج التنموي إذا لم يغير حياة من يعيشون على الهامش لا معنى للميزانيات الضخمة إذا كانت لا تنعكس على التعليم والصحة والشغل لا معنى لتقارير رسمية تتحدث عن الاستثمار في الرأسمال البشري بينما شباب هذا الوطن يبيعون الأمل بالتقسيط أو يرمونه في البحر
إن جملة فلا مكان اليوم ولا غدا لمغرب بسرعتين ليست مجرد توصية إنها أمر مباشر بوقف العبث بشروط المواطنة وبحق الناس في العيش الكريم إنها إعلان نهاية مرحلة وبداية حساب مفتوح مع كل من تواطأ بالصمت أو بالمصالح أو بالعجز
ملك البلاد تكلم والرسالة واضحة إما أن تكون مسؤولا عن كل المغاربة أو لا تستحق أن تكون مسؤولا عن أحد إما أن تنصت لصوت الشعب أو ترحل بصمت إما أن تتحرك لتقليص الفوارق أو تنتظر الانفجار بصيغة لا تنفع معها لا لغة الخشب ولا لجان التحقيق
الرسالة الملكية لوزير الداخلية تحمل دلالة قوية على أن الانتخابات التشريعية القادمة ليست مجرد استحقاق زمني بل محطة مصيرية يجب أن تترجمها الإرادة السياسية بحسن التنظيم ونزاهة الاقتراع واحترام إرادة الناخبين ليستعيد الشعب ثقته في مؤسساته ويشعر أن التغيير ممكن
المغرب لا يمكن أن يبقى مغربين مغرب فوق القانون وآخر يئن تحته مغرب يمتلك كل شيء وآخر يكدح من أجل لا شيء مغرب يصعد بسرعة الضوء ومغرب يتعثر في الظلام هذا خلل بنيوي وإذا لم يعالج اليوم فالثمن سيكون فادحا غدا
الكرة الآن في ملعب من اعتادوا التبرير لكن الزمن لم يعد زمن الشعارات والخطب فقد انتهت مرحلة الكلام وجاء وقت الحساب والمحاسبة