أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية أن المداخيل الجبائية فاقت 201 مليار درهم مع نهاية يوليوز 2025، بزيادة 15,9% مقارنة بالسنة الماضية. أرقام ضخمة تُقدَّم في تقارير رسمية وكأنها إنجازات غير مسبوقة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين ينعكس هذا الارتفاع على حياة المواطن اليومية؟
ضرائب تتصاعد… وخدمات تتراجع
البيانات تكشف أن الضريبة على الشركات وحدها ارتفعت بـ13,5 مليار درهم (زائد 31,9%)، والضريبة على الدخل بـ7,1 مليارات درهم (زائد 20,4%)، والضريبة على القيمة المضافة بـ4,1 مليارات درهم. كلها زيادات تكشف قدرة الإدارة على استخلاص المزيد من الجبايات، لكن دون أن تعني بالضرورة أن الاقتصاد الوطني يعرف انتعاشاً حقيقياً أو أن المواطنين يستفيدون من مقابل عادل لهذه التحصيلات.
فالمدرسة العمومية ما زالت تعاني خصاصاً في البنية التحتية والموارد البشرية، والمستشفيات في وضع هش، والنقل العمومي ما يزال في خانة الوعود المؤجلة، بينما الأسعار تواصل صعودها، والأجور مجمدة أو بالكاد تتحرك.
الدولة تسوي متأخراتها… والمواطن يراكم ديونه
التقرير يتحدث عن “جهود متواصلة لتسوية متأخرات الضريبة على القيمة المضافة” التي ارتفعت إلى 15,7 مليار درهم، وكأن الأمر إنجاز اقتصادي، لكنه في النهاية مجرد ترتيب حسابات بين الدولة والمقاولات. أما المواطن البسيط فيظل عالقاً بين فواتير الماء والكهرباء، وقروض الاستهلاك، والبحث عن الحد الأدنى من العيش الكريم.
جباية من جيوب المستهلك
الرسوم الداخلية على الاستهلاك ارتفعت بـ2,7 مليار درهم، أغلبها ناتج عن المنتجات الطاقية بعد إلغاء بعض الإعفاءات. بمعنى أوضح: المستهلك هو من يدفع الثمن المباشر لارتفاع مداخيل الخزينة، سواء عبر كلفة البنزين أو الغاز أو الكهرباء، وكلها مواد ترتبط بها باقي الأسعار.
تناقض الأرقام والواقع
رغم هذا الارتفاع المهول في المداخيل، تراجعت العائدات الجمركية بمليار درهم، وهو ما يكشف تراجعاً في الاستيراد، وربما في القدرة الشرائية أيضاً. أما المداخيل غير الجبائية التي بلغت 22,3 مليار درهم، فجزء كبير منها جاء من مؤسسات عمومية مثل بنك المغرب والمكتب الشريف للفوسفاط، أي من قطاعات تدر أرباحاً ضخمة لكنها لا تجد طريقها لتخفيف معاناة الأسر.
تتباهى الحكومة بأرقام جبايات تتجاوز 200 مليار درهم في سبعة أشهر، لكن المواطن لا يرى سوى المزيد من الضغط على جيبه مقابل خدمات عمومية هشة. الأرقام تكشف قدرة الدولة على جمع الأموال، لكنها في الوقت نفسه تفضح عجزها عن تحويل هذه الموارد إلى سياسات اجتماعية ملموسة.
ففي النهاية، يبقى السؤال قائماً: هل نحن أمام دولة تحقق موارد مالية متنامية لخزائنها، أم أمام حكومة تستنزف جيوب المواطنين دون أن تقدم لهم ما يستحقونه من تعليم وصحة ونقل وفرص شغل؟