المجتمع المدني في المغرب.. ابن غير شرعي على موائد السياسة والريع
يبدو أن المجتمع المدني في المغرب وُلد ليعيش وضعًا غريبًا: ابنًا غير شرعي، لا السياسي يعترف به شريكًا كامل الأهلية، ولا الفاعل الجمعوي أنصف رسالته. وهكذا وجد نفسه محشورًا بين مطرقة السلطة وسندان الارتزاق.
السياسيون عندنا لا يرون في الجمعيات سوى أدوات للاستعمال المؤقت. فهي عندهم كعلب كرتونية في مخزن انتخابي: تُخرج لتوزيع القفف وتصوير الحملات، ثم تُعاد إلى الرف حتى إشعار آخر. أما شعارات “الديمقراطية التشاركية” و”إشراك المجتمع المدني” فلا تتجاوز حدود البلاغات الرسمية والتقارير البروتوكولية.
أما جزء من الفاعلين الجمعويين، فقد انحرف عن المهمة الأصلية. كثير منهم تحول إلى “مقاول صغير” يتقن لعبة المشاريع الممولة والصفقات أكثر مما يتقن الإنصات لهموم الناس. جمعيات ترفع شعارات التنمية وهي، في العمق، مجرد دكاكين للوجاهة أو قنوات لتصريف الريع، فيما تُترك الجمعيات الجادة لتصارع البيروقراطية بوسائل محدودة وصمت قاتل.
والنتيجة أن المجتمع المدني فقد الكثير من وزنه. المواطن لم يعد يثق في السياسي، ولم يعد يؤمن بجمعيات تُكثر من الصور على فيسبوك أكثر مما تقدم حلولًا على الأرض. لقد منحها الدستور دورًا في تقييم ومراقبة السياسات العمومية، لكن الواقع جعلها مجرد كومبارس في مسرحية سياسية، تصفق عند الحاجة وتُسكت عند الجد.
والأدهى أن هذا “الابن غير الشرعي” صار يُستدعى فقط لتلميع صورة السلطة أمام الخارج، أو لملء القاعات في المناسبات، أو لتبرير شعارات “القرب من المواطن”. أما حين يتعلق الأمر بقرارات حقيقية، فإن الأبواب تُغلق في وجهه، ويُترك وحيدًا يتسول اعترافًا لم يأت بعد.
فالسؤال المؤلم إذن: هل نحن فعلًا بصدد بناء مجتمع مدني حر ومستقل قادر على مساءلة السلطة، أم أننا نكتفي بتربية “جمعيات هجينة” تتقاسم فتات الريع مع السياسيين وتزين واجهة الديمقراطية؟