المجتمع المدني كان من المفترض أن يكون ضمير الوطن، منبر التطوع، وساحة الدفاع عن هموم المواطنين. لكن بعض الجمعيات اليوم فقدت رسالتها، وتحولت إلى أدوات للمصالح الشخصية.
رؤساء بعض الجمعيات يعتبرون الدعم العمومي والهبات منجمًا خاصًا، بينما التملق السياسي أمام المسؤولين صار أهم من أي مشروع ملموس. بعض الجمعيات تحولت إلى وسطاء متنقلين بين الإدارات، يقضون مصالح من يدفع تحت غطاء العمل الجمعوي، حتى أصبح الوطن مجرد خلفية لصورة أو توقيع.
بعض الجمعيات تتستر بالشعارات الحقوقية، تلوّح بها حين تحتاج مكاسب، وتصمت حين تتحقق مصالحها، وكأن الحقوق سلعة تُعرض للبيع. وهناك من تخصص في محاربة كل من يشتغل بصدق، نقل الكلام، نشر الإشاعات، وزرع الفوضى بين الناس، حتى أصبحت الفوضى فنًا يمارسه البعض بلا حياء.
الأكثر سخرية، بعض الجمعيات حولت العمل الجمعوي إلى شركات للحفلات والغناء والرقص، حاضرة في كل مهرجان، كل عرس، وحتى في المآتم، وكأن التطوع صار مرادفًا لمكبر الصوت والتصفيق، ومنصة لاستعراض المواهب الشخصية أمام الكاميرات.
هذه بعض الجمعيات شوهت صورة المجتمع المدني، وأفقدت المواطن ثقته في كلمة “جمعية”. العمل الجمعوي الحقيقي لا يحتاج ميكروفونًا ولا صورة بجانب مسؤول، بل ضميرًا حيًا وإرادة صادقة لخدمة الناس. أما أن يتحول إلى سوق للمصالح الشخصية، فهذا انحراف صارخ يستحق أن يُسمى باسمه: خيانة لرسالة التطوع والوطن.