آخر الأخبار

الكوكب المراكشي بين سندان الحاجة ومطرقة المناورات

بينما هللت بعض الأصوات لما اعتُبر “انفراجاً” في ملف الكوكب الرياضي المراكشي، عقب المصادقة على منحة استثنائية بقيمة 200 مليون سنتيم ومضاعفة الدعم السنوي إلى 500 مليون سنتيم، يتبيّن أن الواقع أكثر تعقيدًا مما يُعرض في الواجهة. فبعيدًا عن لغة الاحتفاء، يطفو على السطح مشهد ضبابي، تتخلله الغموض والمناورات، وقرارات تُتخذ باسم النادي دون استشارة حقيقية لمكوناته أو وضوح في خلفياتها.

فخلال الدورة الاستثنائية الأخيرة للمجلس الجماعي لمدينة مراكش، التي ترأسها النائب الأول للعمدة محمد الإدريسي، تم تمرير اتفاقية ثلاثية بين الجماعة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وجمعية نادي الكوكب المراكشي، تنص على تخصيص عقار بمساحة 20 هكتارًا للفريق من أجل إنشاء أكاديمية، مقابل إفراغ مركز التكوين القنسولي بباب دكالة، ونقل الفئات العمرية مؤقتًا إلى ما يسمى بـ”الغابة الرياضية” بمنطقة المحاميد لمدة ثلاث سنوات.

غير أن هذه الخطوة تثير أكثر من علامة استفهام: أين يقع هذا العقار الجديد؟ ولماذا يُطلب من الفريق إفراغ مركز قائم ويشتغل فعليًا دون أن تبدأ بعد أشغال الأكاديمية البديلة؟ ولماذا لم يتم احترام وعود رئيس الفريق السابقة بشأن انطلاق إصلاح المركز الحالي؟ ثم من يضمن مستقبل الفئات العمرية خلال مرحلة انتقالية إلى مكان لا تتوفر فيه شروط التكوين ولا البنية التحتية الأساسية؟

في ظل أزمة مالية خانقة يعيشها النادي، واستعداد صعب للموسم المقبل يتطلب انتدابات عاجلة، تربصًا إعدادياً، وتسوية عقود، جاءت المنحة الاستثنائية بمثابة الطُعم، أو لنقل الجزرة التي فتحت باب تمرير قرارات استراتيجية، دون أن يكون للفريق ترف الرفض أو النقاش. ما يبدو في ظاهره دعماً مالياً، قد يخفي في جوهره صفقة ضغط ناعمة، تُستغل فيها حاجة الفريق من أجل فرض منطق “القبول أو الاختناق”، إذ لم يكن ليُقبل بهذه الاتفاقيات العقارية الحساسة لولا الوضعية المالية الحرجة التي يعيشها النادي.

أما الحديث عن نقل الفئات العمرية إلى “الغابة الرياضية” بالمحاميد، فهو الآخر يفتقد إلى الحد الأدنى من المنطق. هذه المنشأة غير مؤهلة بعد، ولا تتوفر على مرافق رياضية أو إدارية مناسبة، ولا على بنية استقبال تؤمن تكوينًا مستقرًا أو آمنًا. فهل يُعقل أن يُنقل مركز تكوين في قلب المدينة إلى مكان غير مجهز، لمدة ثلاث سنوات؟ ثم لماذا حُددت هذه المدة بالضبط؟ وأين هي الضمانات التي تؤكد إنجاز الأكاديمية الجديدة خلال هذا الأجل؟ أليس من الأجدر بناء الجديد قبل هدم القديم؟

ولم تقف التساؤلات عند الجانب الرياضي فقط، بل امتدت إلى الجانب القانوني والتجاري، بعدما توصل المجلس الجماعي والسلطات بشكاية رسمية من طرف مستغل قاعة الأفراح المجاورة لمركز باب دكالة، يؤكد فيها أنه اقتنى الأصل التجاري للقاعة من جمعية الكوكب سنة 1997 بمبلغ 45 مليون سنتيم، واستثمر أزيد من 350 مليون سنتيم في البناء والتجهيز، ملتزمًا منذ ذلك الحين بأداء واجبات الكراء. اليوم، يجد نفسه خارج المعادلة، مهددًا في رزقه ومشروعه ومصدر عيشه، دون حتى أن يُستدعى أو يُستشار، رغم مشروعية موقفه القانونية ووثائقه الرسمية.

وسط هذا المشهد الملتبس، يغيب صوت المكتب المديري، ويصمت رئيس الفريق، ولا يظهر أي موقف واضح من الأطراف المفترض أن تدافع عن الكوكب. أين هم مَن يمثلون النادي؟ ولماذا هذا الصمت المريب؟ ومن يحمي الفريق من القرارات التي قد تكون مقدمة لتفويت ممتلكاته واستغلال تاريخه كغطاء لمصالح غير رياضية؟

إن الكوكب المراكشي لا يحتاج إلى منحة ظرفية، بل إلى خطة استراتيجية واضحة تضمن استمراريته وتحصن مراكزه وتعيد بناء هياكله بثقة وشفافية. ما يجري اليوم ليس دعماً، بل استغلال مفضوح لأزمة الفريق، وغطاء ناعم لتمرير ملفات عقارية على حساب مشروع رياضي له تاريخه وجمهوره وكرامته.

إن تفريغ مركز تكوين دون جاهزية البديل، ودون خطة متكاملة، ودون إشراك حقيقي لمكونات الفريق، هو بمثابة إعلان غير مباشر عن تفكيك مؤسسة كروية عريقة، وجعلها مجرد وسيلة لتمرير مصالح لا علاقة لها لا بالرياضة ولا بالتكوين. الأكاديمية التي تُوعد بها مراكش لا تُبنى بقرارات مرتجلة ولا بتهجير اللاعبين، بل بإرادة حقيقية، وشفافية كاملة، وضمانات قانونية وميدانية راسخة.

الكوكب المراكشي ليس ملكًا لأشخاص، بل هو ذاكرة مراكش، وهوية جمهورها، وعنوان لمدينة لطالما أنجبت رجالات في الرياضة. إن ما يحدث اليوم يستدعي الوقوف، والمحاسبة، ورفع الصوت قبل أن يتحول الصمت إلى خيانة جماعية.

لقد حان الوقت للوضوح. حان وقت حماية الكوكب لا مقايضته. حان وقت مساءلة من يعبثون بمستقبله باسم الدعم، ومن يحولون أزمته إلى غنيمة. حان وقت أن نقول: كفى.