آخر الأخبار

القيلولة القسريَة

حسن الرحيلي 

لم يَكن العيّل في البوَادي ينام أبداً أثناء الظّهر رغم ارتفاع حرَارة الصّيف القائظة ، فالكل في عطلة بعد انتهاء أشغال الݣاعة ووضع الزرع بالمطمورة ومعالجته بدوا الخرݣ ، ثم جمع التّبن وبنائه بشكل هرمي أي التّقربيس والتّطواب أي تغطيته بالطّوْب قبل ظهور فكرة البيلة والتغياس القادمة من الشاوية وتادلة والفقيه بنصَالح بواسطة حصّادينا من دكالة وعبدة الذين كان يشدون الرحال شمالاً منذ بداية الصّيف على شكل قوافل بشرية لغنى أرض الشاوية وقلة اليد العاملة عندهم ..يعودون أواسط فصل الخريف وقد جمعوا بعضَ النقود من أجل بناء نوايل على هامش خيامهم ويفتحون بيوتاً جديدة ، باختيار فتاة جميلة شقراء اللّون والشعر من أيّير ..بينما يحرّرنا الطالب طيلة شهر يذهب خلاله عند أهله محملاً بالزرع والتبن والسمن الذي جمعه كحصيلة لعمله السنوي ، بفضل صَدقات وعشور أو زكوَات الأغنياء ، وما كنا نأتي به من لاَربعية ، وأيضاً طوافنا على خيام الدوار ونحن نتصَايح كل صَباح يوم الجمعة :

الجّمعية للطالب
الجّمعية للطالب !

يتركز العطاء حول السمن أو الزبدة الطرية المنبعثة تواً من الشكوة يخصّص أغلب النخضَة للطّالب ، وبعضُها لعصيدة الذرة وقد طفح بها الحمّاس الضّخم ، تتطاير منه شرارات دقيق شديدة الحرارة فنفرّ منه حوله مبتعدين كي لا تحترق أطرافنا ..

نستغل الفراغ خلال عطلة الصّيف وعطلة الجامع ، للعب الكارطة مع أبناء المدن الذين كانوا يقضُون عندنا الصّيف من أجل الاستراحة وجمع الشواط .. ثم قنص الطيور بالجنانات أو البساتين المجاورة .. وكلما اجتمعنا بالخيمة في صَخب وزعيق متوَاصل ومتعال .. كانت تتضَيق من وجودنا أمهاتنا اللّواتي تردن الخلود للراحة فتطردنا للقيلول تحت كروم التين ، أو دخلات الضّرݣ العاتية ، زصنع فرفارات القشبيلة ونصَوّبها نحو هبّات النسيم الرطبة القادمة من الشمال ، تنعش أطرافنا ..ونتنافس حول أسرع فرفارة ودورانها السّلس الهاديء مع زنطرُو وبلبشير وسي محمد ولد العربي المختفي إلى الأبد ..

عندما نقاوم إخراجنا عنوة من الخيمة تطاردنا أمي بݣصبة المنجَج ، ثم تلقي خلفنا حجرة كُرد تكاد تهشّم مؤخرة رأس أحدنا وهي تهددنا :

آش بيكم من جَايحة اللّي تُݣرُض ليكم العُنݣ ؟