كالعادة، أتحفتنا وزارة الفلاحة بأرقامها المليونية: 32,8 مليون رأس من الماشية. رقم يبدو وكأنه بشارة خير، لكن ما إن نقترب من التفاصيل حتى ينكشف الوهم: الأبقار الحلوب تراجعت بحوالي الثلث، والإبل بدورها تعاني الانقراض البطيء، بينما يُقدَّم الأمر في البلاغ الرسمي كـ”نجاح باهر”!
المبررات جاهزة: كورونا والجفاف وتوقف السقي. لكن متى لم يعرف المغرب الجفاف؟ متى لم يمر بأزمات؟ إذا كانت السياسات تُبنى على انتظار المطر، فما جدوى مليارات “البرامج الفلاحية” التي ابتلعت خزينة البلاد ولم تُحصّن المربين الصغار من الإفلاس ولا المستهلك من الغلاء؟
المفارقة المضحكة أن الحكومة تُعلن بفخر عن إلغاء الرسوم الجمركية على استيراد الأغنام والماعز بدعوى أن القطيع يكفي، لكنها تُبقي على إعفاء استيراد الأبقار لأن الواقع يكذب الخطاب. بلد يزعم أنه يملك عشرات الملايين من الرؤوس، لكنه لا يقدر على تأمين ما يكفي من الحليب واللحم لمواطنيه دون الاستيراد. أليست هذه نكتة رسمية ثقيلة الدم؟
ثم هناك سؤال أكبر من كل هذه الأرقام: أين تبخرت مليارات الدعم؟ الحكومة تتحدث عن 11 مليار درهم لدعم المربين. على الورق، دعم الأعلاف والتلقيح وتأطير الفلاحين. لكن على الأرض، اللحم أغلى من أي وقت مضى، الحليب في ارتفاع مستمر، والفلاح الصغير يغرق في الديون. من المستفيد إذن؟ غالباً كبار المربين والوسطاء، أما المواطن البسيط فمكانه المعتاد: أسفل السلم، يدفع ثمن السياسات الفاشلة.
وفي النهاية، تُرفع لافتة “السيادة الغذائية”. لكن أي سيادة هذه إذا كان المواطن عاجزاً عن شراء كيلوغرام من اللحم أو لتر من الحليب دون أن يُستنزف دخله؟ السيادة الحقيقية لا تُقاس بعدد الرؤوس المرقمة في إحصاء بيروقراطي، بل بقدرة الناس على العيش بكرامة. وبين لغة البلاغات وواقع الأسواق، تظل الحقيقة واضحة: القطيع موجود في الأرقام فقط، أما في الجيوب فهناك فراغ مدوٍّ.