آخر الأخبار

العاهرة أشرف من الأقلام المأجورة

في زمن اختلطت فيه القيم، وتحولت الكلمات إلى سلع، لم تعد “العاهرة” تمثل قاع الانحدار كما أوهمتنا الأخلاق الزائفة، بل صارت، في مفارقة جارحة، أشرف من بعض من يبيعون أقلامهم وضمائرهم في سوق النفاق الإعلامي والسياسي.

العاهرة، على الأقل، تبيع جسدها بوعي، وبثمن واضح، وتحت وطأة الحاجة، وربما بدافع الفقر أو القهر أو اليأس. تفعل ذلك علنًا، دون أقنعة ولا شعارات براقة. لا تدعي الطهر، ولا تتستر خلف “الرسالة” أو “الاستقلالية”. لا تطبل لأحد، ولا تزيّف واقعًا، ولا تتاجر بمآسي الناس وهي ترتدي ربطة عنق الموضوعية.

ولنكن منصفين: الكلام لا يطال كل الأقلام، فبين الساكت والمقاوم، هناك من ظل حرًا رغم التضييق. لكن البعض باع نفسه عن طيب خاطر، بلا جوع ولا خوف، بل طمعًا في فتات موائد الأسياد.

هم من يكتبون ما يُطلب، ويمجّدون من خرب، ويبررون الجرائم بالتنظير، ويصفقون لانتهاك الحقوق باسم “الاستقرار”. يتحدثون عن المهنية وهم تحت وصاية مجلس فاقد للشرعية، يوزعون صكوك الصحافة حسب المقاس، ويتهمون كل من لا يطبل بانتحال الصفة. يتنافسون على الفتات، وتحت الطاولة يلعقون ما تبقى، ثم يطلون علينا بخطب عن المبادئ.

الصحفي المرتزق لا يشعر بالعار، لأنه فقد الإحساس منذ أن باع قلمه. يحاضر في الوطنية وهو يروّج للفساد، ويتكلم عن “المصلحة العامة” وهو يهاجم كل صوت حر، ويصمت كالقبر حين تُنهب البلاد.

العاهرة، مهما فعلت، لا تضر إلا نفسها، ومعصيتها بينها وبين ربها. أما أنتم، فمصيبتكم أكبر: خنتم أنفسكم، وضللتم شعبًا، وتاجرتم بضمير وطن. فذنب العاهرة فردي، أما خيانتكم فشاملة، وضررها لا يُغتفر.

“المطبل الصحفي” يخون شعبًا، ويخرب وعيًا، ويمنح السياسي الفاسد صك الغفران بمقال مدفوع الأجر يُسوّق كتحليل موضوعي.

فيا من تكتبون بأحبار الذل، وتوقعون بماء الوجه، تذكروا: العاهرة حين تبيع لا تدعي الفضيلة. أما أنتم، فأنتم العهر المقنع… تمارسونه على الورق، في افتتاحيات النفاق، وعلى شاشات التملق… وأنتم تبتسمون.