إدريس الأندلسي
عناوين مقلقة قبل التفصيل في القول :
مستخدم شركة أمن خاص يتحكم في الولوج إلى المستشفى يمكن أن يصبح مرتشيا.
طبيب أو ممرض أو مسؤول مختبر يغيب دون مبرر.
لا يوجد قانون يسمح بهجرة غير شرعية و سرية لأطر مستشفى عمومي إلى المصحات الخاصة.
غياب الاطر الطبية يؤدي إلى أعطال التجهيزات المكلفة. مستعجلات في غياب العنصر البشري.
حماية الهاربين من الواجب عبر تغييب المراقبة و المتابعة و المحاسبة.
تراجع التأطير لطلبة الطب داخل المستشفى بسبب تغيب بعض الأساتذة .
كل هذه الأعمال تشكل جنحا و جرائما يجب أن تخضع للقانون و يحسم فيها القضاء. استاذ مبرز يكتفي بتقاعد يتجاوز 55 الف درهم ، وغيره يطلب المزيد . تحية لشرفاء الواجب المهني الذين يستحقون الإنصاف بتحقيق مطالبهم المشروعة. وزراء يتحركون لإطفاء الحريق و ليس لصنع إستراتيجية .
لا يمكن أن يتجاهل أي مسؤول أن حق أغلبية المواطنين للولوج إلى الصحة ” مهضوم ،مهضوم، مهضوم…يا ولدي”. و يكاد يزيغ قول الشاعر نزار عن هذا المسار للتأكيد على أنه شبه ” معدوم…معدوم يا وطني “. ارتكبت فعل كتابة مقال عن ” الحكامة، و الأمانة و الخيانة” التي يعيق وجودها أو غيابها الوصول إلى هدف تمتيع المواطن بحق يضمن قدرته على العمل لضمان عيش، و لو لم يكن كريما، و لكن يمكنه من أن يشعر ” جزئيا” بوجود دولة ترعاه ،و تحميه ضد هيجان من يريدون تحويل الصحة كلها إلى سوق يهيمن عليها المال. و لم أقاوم الرغبة في وصفها بسوق ” العبيد” الذين يعملون كثيرا، و خارج كل الضمانات، لكي يوفروا لليوم الأسود الذي يتطلب منهم التضحية بكل مدخراتهم، و اللجوء إلى الاقتراض لإجراء فحص أو الحصول على خدمة طبية. وعلى كل من يشك في هذا ” الهذيان أو الجنون” الذهاب إلى أبواب المستشفيات.
لا يمكن أن ننكر أن الدولة تملكت الوعي بأهمية الصحة العامة، و على الخصوص الصحة العمومية. و لا يمكن أن ننكر المجهودات المالية التي صاحبت تطوير البنيات الصحية على مدى عقود من الزمن. و أعود و أكرر أن المشكلة ليست فقط في الأدوية و التجهيزات و المرافق، إنها بالأساس مرتبطة بالعنصر البشري المختص في مجال العلاج.
صدق ذلك المواطن الذي أجبر وزير الصحة على سماع كلماته الصادقة و المعبرة عن مأساة حقيقية تسود قطاعنا الصحي. وصل الوزير و العامل و كبار الموظفين إلى مستشفى الدرويش بالريف. وجد مجموعة من العاملين بالمستشفى ببزاتهم البيضاء. صرخ المواطن المذكور أن من حضروا لا يعرفهم كمواظبين على التواجد بالمستشفى، و أكد أن طبيبة واحدة من بينهم هي التي يلجأ إليها المرضى. و أصر هذا المواطن على إسماع صوته رغم محاولات الوفد الرسمي إسكاته.
بدأت معضلة تشابك مصالح كثير من المصحات مع الموارد البشرية العاملة بالمستشفى العمومي قبل سنين كثيرة. كان الأساتذة المبرزون، و الأساتذة في الطب حاضرون بهمة و مسؤولية في كافة المصالح الموكلة إليهم. كانوا أول من يصل إلى المستشفى الجامعي للسهر على تكوين الأطباء و تقديم العلاجات للمرضى. و كانت مداخيلهم متواضعة بالمقارنة مع مكانتهم العلمية و المهنية. و كان كثير من المواطنين يستشهدون بكفاءة الأساتذة الأطباء في كافة التخصصات، و كذلك بجديتهم و أخلاقهم و التزامهم بروح المرفق العمومي. ارتأى الملك الراحل، الحسن الثاني أن يفتح لهم بابا للحصول على تعويضات عبر أداء خدمات في ” مصحات جامعية” كان من المفروض أن يتم إنجازها قبل أو بعد سنة 1996. لم تنجز هذه المصحات، و أستمر الأساتذة في الإستفادة المحدودة زمنيا من العمل في مصحات خاصة. و كان السند القانوني يتمثل في مقتضيات الظهير 94-10 لسنة 1996. و سيأتي القانون 13-131 ليلغي ما قبله من رخص في مجال ممارسة الطب داخل القطاع الخاص من طرف مهنيي القطاع. لكن هذا الوضع القانوني لم ينهي الوضع على أرض الواقع. تعدى الأمر الأساتذة المبرزين و الأساتذة، ليشمل تقريبا كل المهن الطبية، و كل الدرجات الوظيفية. و تحول غياب قانون ينظم إعطاء نصف يومين أسبوعيا إلى فوضى حولت الهروب من المستشفى، بالنسبة لبعض مهنيي الطب، من كافة الدرجات، إلى سلوك لا أخلاقي ضرب المنظومة الصحية في العمق. حاول بعض الوزراء، و أكثرهم الحاحا، كان البروفسور لحسن الوردي، كما كان قبله أساتذة وزراء مثل الراحلين د رمزي و د الهاروشي و آخرون من الشرفاء ، أن يطبق القانون حفاظا على حق المواطن في الولوج إلى العلاجات، فتحالفت ضده لوبيات و أصحاب مصالح. حاول فتح ملف إرتفاع أسعار الأدوية، ولا زال الملف غير مغلق رغم ما تم تحقيقه من تخفيضات لأسعار الأدوية، و المستلزمات الطبية. و لا زال أسعارنا أغلى من أسعار فرنسا و إسبانيا و سويسرا و كثير من الدول العربية.
و يجب أن نربط كل عاهات المستشفى العمومي بالحكامة، و بالأخص في مجال تدبير الموارد البشرية. تفرجت حكومات متعددة ، وسلطات ترابية على المستشفى العمومي و هو يتعرض لهجوم على موارده البشرية، و ظل الصمت المدوي، و التواطؤ الفئوي سيد كل المواقف. ظل البعض يشتكي من غياب التجهيزات، و تجاهل الجميع أن كل الوسائل لا يمكن أن تصمد أمام غياب المسؤول الطبي. يقف صاحب المصحة بصرامة ليحمي تجهيزاته، بما فيها مختبرات التحليلات الطبية، و آليات التصوير المغناطيسي و غيرها مما يكلف عشرات الملايين. و تتعرض نفس التجهيزات للإعطاب في غياب المسؤول على تدبيرها و متابعة صيانتها الدورية. فتتوقف عن العمل، و يضطر من حضر من الأطباء إلى تأجيل المواعيد أو إلى إجبار المريض للجوء للقطاع الخاص. و هكذا يطول إنتظار موعد في مستشفى إلى أن يتحول إلى موعد مع قدر محتوم.
لا يمكن أن نعتبر المستشفى العمومي بنية تتعثر بسبب غياب الوسائل، و لكن بسبب مرض مزمن أصابها في عنصرها البشري. يؤكد الجميع أن ما لدينا من أطباء و ممرضين لا يتطابق مع معايير منظمة الصحة العالمية. و يمكن القول بأن هذه المعادلة غير كافية لتفسير الفوضى التي أصابت الخدمة الصحية العمومية في بلادنا. و أرجع لأؤكد لكل من يشك في هذا الكلام أن يزور ليلا أو نهارا المستشفيات التي توجد في محيطه القريب، لكي يعرف الحقيقة.
و يوجد حل بسيط لهذه المعضلة يكمن في إجبار جميع المصحات و المستشفيات الخاصة على توفير الوسائل البشرية قبل افتتاحها. و يمكن لهذه المؤسسات الخاصة التي تتوسع شبكتها في الكثير من المدن أن توظف من شاء من موظفي القطاع العام، مع إعطاء الفرصة لكل ممارسي الهروب من المستشفى العمومي ليقدموا استقالتهم من القطاع العام. و يمكن التأكيد على أن هذا القطاع الخاص لن يقبل هذا الحل نظرا لقدرته الاستيعابية المحدودة، و لاعتماده على موارد بشرية لا تكلفه الكثير.
يجب أن تواجه الدولة هذا المرض العضال الذي ينتشر بسرعة في جسم المنظومة الصحية، و أن يتم وضع حد للنفاق الذي يشوه النقاش حول التوازنات الإجتماعية للبلاد. كثير من ممارسي الهروب خلسة من واجبهم المهني يحبون اللعب على حبلين. يحبون المحافظة على موقع في القطاع العام و يستغلون الفراغ القانوني لزيادة دخلهم بشكل غير مشروع. و يوجهون في نفس الوقت سهام نقدهم الكاذب للدولة التي لا توفر الوسائل . كثير من المنافقين يخفون حقائق عن مداخيلهم الحقيقية، و التي أصبحت، بفضل الإجراءات الضريبية مفضوحة. يؤكد الشرفاء من الأساتذة الأطباء، و هم كثر، أن معاش تقاعدهم قد يتجاوز 55 الف درهم، و يظهر أن جشع البعض يسئ إلى مهنة الطب.
يجب أن تعلن الدولة حربا قانونية ضد كل من تسول له نفسه من كافة المهن الطبية، و من كافة درجاتها، خيانة الأمن الإجتماعي للوطن. يجب أن نعتبر كل طبيب أو ممرض أو مسؤول عن الأجهزة الطبية الذي يهرب من موقعه لغاية مادية، كذلك الجندي الذي تصفه كل قوانين الجندية في العالم بالمتخلي عن واجبه. و الأمر يتعلق بكافة الوظائف العمومية التي يعيق عدم القيام بها توازن و تقدم الوطن. لا يليق ببلادنا أن تصبح فيها ممارسة المهن الطبية تخضع لشبه عبودية تمارس على المتدربين من الطلبة و بعض الأطباء الداخليين. كثير من مرتادي مصالح مستعجلات بعض المصحات يجدون أمامهم متدربين أمرهم استاذهم السهر، بالنيابة عنه، رغم حصوله على تعويضات مهمة جلها لا تطالها القاعدة الضريبية. الأمر يتعلق أيضا بممرضين من درجات مختلفة يقضون ليلهم في مصحة و يمضي نهارهم في تثاقل و نرفزة و حاجة إلى نوم عميق. ماذا تنتظر الحكومة للسهر على مراقبة يومية و مستمرة للمستشفيات و المصحات العمومية و الخاصة. هناك أنظمة معلومات و كاميرات و وسائل بشرية يمكن أن تساعد على مهام الرقابة. و يمكن للحكومة أن تعيد سيطرة و هيبة الدولة على حماية المستشفيات التي أصبح الأمر الناهي بها موظف بشركة أمن خاصة. و كم من فضيحة سجلتها الصحافة و المواقع الإخبارية عن ما وصل إليه نفوذ بعض مستخدمي شركات الأمن الخاص. و تنقل الكثير من التعليقات الصحفية و تصريحات المواطنين استشراء الرشوة في أبواب المستشفيات. و لقد حان الوقت لوضع نهاية لسلطة الأمن الخاص على المستشفيات، و التي وصلت إلى تعنيف بعض المواطنين.
لقد بلغ السيل الزبى، و وصلت حدة مرض قطاع الصحة إلى كافة أعضاء الجسم. تضرر التكوين و التدريب حتى أصبحت كثير من مدننا و قرانا صحاري طبية رغم وجود مستوصفات و مستشفيات. تحتم هذه الوضعية إعلان ” حالة استثناء أو حالة طوارئ صحية” ضمانا لأمن الوطن و المواطنين. لقد وضع عاهل البلاد مشروعا إستراتيجيا انطلق سنة 2021 لضمان تغطية إجتماعية للمغاربة. و يظل العنصر المؤجل للتحول البنيوي المستهدف هو ذلك الذي يرتبط بضبط وسائل المحاسبة بجدية، مع تكييف الأخطاء بما ينتج عنها من أخطار صحية تصيب المواطن.