آخر الأخبار

الصحافة الرياضية تحتضر من المسؤول؟

في ندوة صحفية رسمية بكأس العالم للأندية المقامة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُفترض أن تُنقل صورة المغرب الإعلامية إلى العالم باحترافية، وقعت الفضيحة.

صحفي مغربي – أو بالأحرى شخص ينتحل صفة الصحفي – أمسك الميكروفون وطرح على مدرب الوداد، أمين بنهاشم، سؤالًا غريبًا:

“هل يمكنكم شراء لاعبين للمباراة القادمة؟”

سؤال لا يمتّ للمهنية بصلة، ولا يُطرح في محفل دولي، بل يليق بجلسة عشوائية في دوري الأحياء. لحظة عبثية اختصرت واقعًا إعلاميًا هشًّا، فاسدًا من الداخل، تُهيمن عليه الرداءة، حتى صرنا نُصدر جهلنا للعالم بوجه مبتسم.

لكن الفضيحة لا تقف عند هذا السؤال، بل تتعداه إلى المشهد العام الذي أنتج هذه النماذج، وفتح لها الطريق نحو تمثيل المغرب خارجيًا.

فالسؤال الحقيقي: من سهّل لهذا “الإعلامي” الظهور؟ من زكّاه؟ ومن يقف خلف هذه النماذج التي تُسيء للبلد ولمهنة الصحافة؟

الجواب لا يكمن فقط في الفوضى، بل في تحالفات تُدار في الخفاء.

فقد برزت إلى الساحة جمعية حديثة التأسيس، لم تمنح الاعتماد لهذا الصحفي تحديدًا، لكنها تسعى بشكل مكشوف إلى السيطرة على المشهد الإعلامي الرياضي، من خلال تحالف غير معلن مع بعض مسؤولي العصبة والجامعة الملكية لكرة القدم.

دخلت هذه الجمعية المجال لا لتنظيمه، بل لفرض الوصاية، ومحاولة تهميش صحفيين مغاربة ذوي تجربة طويلة، بل والضرب في جمعيات لها أكثر من نصف قرن من العمل والوجود.

تُوزّع الولاءات بدل أن تُكرّس القيم المهنية، وتُقصي من لا ينخرط في أجندتها، تحت شعارات جوفاء عن الإصلاح والتنظيم، بينما تُعمّق الفوضى بدل معالجتها.

وما يزيد الأمر سوءًا، أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم تعد تُخفي محاباتها لفئة محددة من الإعلاميين، ممن يُعرفون بولائهم المطلق لرئيسها. يُمنحون دعوات خاصة، امتيازات، سفرًا دائمًا، وحيزًا حصريًا… لا لكفاءتهم، بل لقدرتهم على تلميع صورة المكتب الجامعي.

هؤلاء لهم الأولوية في كل شيء: – الاعتماد
– السفر
– الحوارات
– وتقاسم “الكعكة”…

أما الصحفيون الحقيقيون، فلا مكان لهم إلا إذا قبلوا الانضمام إلى جوقة التصفيق، وإلا فمصيرهم التهميش أو الطرد من القاعات بذريعة “الاكتظاظ”.

نعيش مهزلة متكررة، لم تعد خفية ولا مفاجئة.

صحافة مهنية تُقصى، ورداءة تُكافأ، ومشهد يُدار بالخوف والولاء بدل الجرأة والمهنية. من ينتقد يُتهم بالحقد، ومن يلتزم بالحياد يُقصى، ومن يطلب العدالة يُصنّف “مزعجًا”.

ما حدث في ندوة كأس العالم للأندية ليس زلّة عابرة، بل هو تتويج لمسار طويل من الاندحار، والتواطؤ، والتسيب، والتلميع، والإقصاء الممنهج لكل من لا يرضخ.

لقد تحولت الصحافة الرياضية من مهنة نبيلة إلى ساحة صراع مصالح، تقودها جمعية صورية، وقرارات فوقية، تسعى إلى إنتاج إعلام يُطبل، لا يُحلّل.

لكن رغم هذا السواد، لا يزال الأمل قائمًا.

الواجب اليوم هو توحيد الأصوات المهنية النزيهة، ودعم الجمعيات الجادة، وبناء إطار حقيقي يعيد ترتيب المشهد، بعيدًا عن المصالح الضيقة والولاءات الزائفة.

إطار يُنصف ولا يُقصي، يُكوّن ولا يُهيمن، ويُعيد للصحافة الرياضية هيبتها ومصداقيتها.

فالرياضة الوطنية لا يمكن أن تنهض دون إعلام حر، مسؤول، نزيه، يواكب ويُسائل، لا يُهلل ويُطبل.

فإما أن نُصحّح المسار الآن، أو نستمر في تصدير الرداءة إلى العالم، وتسجيل مزيد من السقطات… لا باسم أفراد، بل باسم المغرب كله.