من يتابع تصريحات الحكومة يظن أننا على أبواب جنة صحية لا مثيل لها: مستشفيات عمومية أفضل من المصحات الخاصة، أطباء يبتسمون من الفجر حتى المغيب، وأجهزة تشتغل قبل أن تفكر في الضغط على الزر. لكن ما أن يغلق التلفاز حتى يجد نفسه في مستشفى جهوي يشبه قاعة انتظار للموت: اكتظاظ، إهمال، مواعيد بعد شهور، وأحيانًا بعد الوفاة.
أكادير كانت الشرارة، لكن الحقيقة أن كل مدينة مغربية تحمل نسختها الخاصة من “مستشفى الموت”. المواطن يذهب للعلاج فيخرج بجنازة، والوزير يخرج بجولة ميدانية للتصوير. أما رئيس الحكومة فيطل من الشاشات ليبيعنا وهم “الدولة الاجتماعية” كأنه يبيع حليبًا طويل الأمد.
الاحتجاجات الأخيرة ليست فقط ضد سوء التدبير، بل ضد الاستهزاء بعقول الناس. كيف يُعقل أن يُقدَّم الفشل المتكرر على أنه إنجاز؟ كيف يُسمى الاكتظاظ “إقبالا متزايدًا على الخدمات الصحية”، ويُسمى غياب الأطباء “إعادة انتشار الموارد البشرية”؟ إنها لعبة الكلمات التي لم تعد تنطلي على أحد.
وزير الصحة الحالي، القادم من عالم البيزنس، اكتشف أن المستشفى العمومي لا يُدار بمنطق الأرباح والخسائر. لا يمكنه أن يقنع مريضًا ينتظر العملية منذ سنة بأن “السوق سيُصحّح نفسه”. الطب ليس بورصة، والمرضى ليسوا أسهُمًا قابلة للتداول.
وإذ نرى اليوم الناس يصرخون في الشوارع من أكادير إلى الناظور، فلأنهم سئموا من حكومة تعيش في عالم افتراضي ملوّن بالأرقام، بينما واقعها رمادي مليء بالفواجع. المواطن لا يطلب عيادة فاخرة بواجهة زجاجية، فقط يريد سريرًا نظيفًا، طبيبًا حاضرًا، ودواءً متوفرًا.
الخلاصة بسيطة: “الدولة الاجتماعية” ليست شعارًا يُردد في الحملات الانتخابية، بل هي مستشفى يَمنح الحياة بدل أن يوزع الموت. وإلى أن تفهم الحكومة هذا الدرس، سيبقى المواطن المغربي يضحك بسخرية مرة وهو يسمع وعودها: “ثورة صحية؟ نعم… لكن في عالم موازٍ”.