آخر الأخبار

أين موازين من مغرب الثقافات ؟

إدريس الاندلسي

بدأ هذا المهرجان و هو يحمل إسم مهرجان الرباط. بدأ بسيطا و عميق المرامي و الأهداف. و كان خلال البدايات جميلا بقربه الثقافي من جمهور يتوق إلى الفن الجميل. و مرت السنوات، فأصبح المهرجان يأخذ حجما كبيرا يتطلب ميزانية ضخمة تغطيها مؤسسات مالية و اقتصادية وطنية . رفعت المؤسسة ،التي أسست للمرحلة الثانية لهذا المهرجان، و الذي أخذ إسم ” موازين” شعارا كبيرا و سميت مؤسسته بإسم ” مغرب الثقافات” .
لا يمكن إنكار دور المهرجانات الفنية في الترفيه الهادف و المنفتح على الفن الجميل. و يظل باب التجديد و الاجتهاد مطلوبا لكي يصبح هذا المهرجان مناسبة للإحتفال بالثقافة المغربية في الأول، و الإحتفال بالإبداعات العالمية الحقيقية، و ذات الفعل في العقول و ترقية الأذواق كذلك. و لا يمكن أن يفهم كل متتبع لفن الموسيقى هذا ” التضخم ” الذي يطبع هذا المهرجان، و يجعله مشتتا و مكلفا ماليا و أمنيا. سيظل الإحتفال بالموسيقى هو ذلك الطقس الذي يضمن الإطلاع على الإبداع، في مكان واحد، يضمن الراحة و الإستقبال المثالي لعاشق النغمة و الصوت و الكلمة.
لا يجب أن يظل هذا المهرجان حبيس رغبة في توسعه ليشمل موسيقى العالم أجمع. كل المهرجانات تركز على موضوع واحد في مكان واحد. و تظل كل الرغبات التي تتم برمجتها مجرد حفلة تحاول أن تستقطب أكبر عدد ممكن من الحاضرين في أماكن غير صالحة لإقامة حفلات جماهيرية. قد تكون موازين 2026 مناسبة لاستغلال مسرح الرباط الكبير و ملعب مولاي الحسن، و ملعب البريد. و قد تمكن هذه المنشئات من إستقبال عدد كبير من التواقين إلى حضور حفلات في ظروف تضمن سلامتهم ، و تمكنهم من مقعد مريح في ظل ظروف أمنية جيدة. لا أجد كلمات تمكن من وصف هذا المهرجان ” بموازين، و لا بمغرب الثقافات، و لا بإيقاعات العالم “.
لا يمكن أن نحقق مقاييس الجمال الموسيقي، عبر مهرجان، بإحضار كل موسيقيي العالم، و المغرب. ماذا نريد أن نبعث من رسائل من منصة سلا و خصوصا من منصة السويسي. تعتبر هاتين المدينتين خزانات لتاريخ المغرب في عصور مضت، و خصوصا في عصر الجهاد البحري بعد جرائم طرد الاندلسيين عبر وسائل إجرام ساهمت فيها همجية كنيسة ، و محاكم تفتيش تحاسب من يغتسل كل يوم جمعة. اختزل مبرمجو منصة سلا و السويسي ثقافة ذات جدور، كما هو الشأن في كل المدن العريقة، في موسيقى أغلبها يخاطب الأجساد و لا يهتم بالقيم الأخلاقية و الجمالية. شاهدت ،عبر التلفزيون و ما تتيحه وسائل التواصل، و تابعت منصات النهضة، و سلا ، و هيلتون، فوجدت أن القيم و الثقافة الموسيقية العالمية كانت غائبة. أحب أعمال ” اندري ريو” و أثمن كثيرا مبادرات ” بودشارت” و أصر على أن تنظيم موازين و برمجته تفتقد لثقافة المهرجانات الموسيقية. أصبح مبرمجو هذا المهرجان يبحثون على الأجانب بكل شغف، و أغلبهم لا يقدمون فنا راقيا مقابل فواتير” غليضة “، و أجور كبيرة.
و سيظل السؤال الأكبر هو ذلك الذي يتعلق بالهدف من مهرجان متعدد الاتجاهات و الأهداف. هل يحتاج المغرب أن يعبر عن تاريخه و انفتاحه على الثقافات من خلال برمجة مكثفة و مكلفة ماليا و غير ذات جدوى. أصبح هذا المهرجان هدفا لكل الانتقادات البناءة التي يعبر عنها أغلب المهتمين المحبين للفن، و للموسيقا ، و لكل الأصوات الجميلة التي تحبب للإنسان قيم و مقامات ثقافته الوطنية. أخجل كثيرا حين تتعبا القنوات التلفزية لنقل التفاهة إلى المشاهدين. و أتساءل عن سبب الغلو في تتبع أصوات نشاز تستعين بصخب الإيقاع لتهييج الحاضرين. ويظل حقنا في طرح سؤال الجودة الفنية و الهادفة، و هذا يعتبر رأي نسبي، مشروعا في ظل ما ننتظره من الثقافة كإحدى أهم رافعات التنمية. و سيظل الترفيه الجميل ذلك المشروع الذي يجب أن يظل في قلب كل مشاريع الثقافة في بلادنا.
أتفهم كثيرا معاناة سكان الأحياء المجاورة لمنصات موازين. لقد أصبح هذا المهرجان أكبر محنة يعيشها سكان حي النهضة و الحي المحاذي لفندق هلتون سابقا. ضوضاء و فوضى مرورية ترهق رجال الأمن، و ترهق السكان و مرتادي المهرجان. لا أتمنى أن يتوقف هذا المهرجان، و لكنني أتوق إلى أن يتوصل منظموه إلى مستوى أفضل و أكبر في مجال البرمجة ذات القيمة الثقافية. و ليس من حرج في أن يستلهم المنظمون أسلوب برمجة مهرجان كناوة بالصويرة ومهرجانات تطوان و طنجة و الدار البيضاء ذات الإهتمام بالموسيقى الأندلسية و الملحون و إبداعات الشباب . و ليس من الحرج في شيء أن يصبح مهرجان موازين أقرب للمواطنين من خلال برمجة تعطي الأولوية للمغاربة المبدعين و ما أكثرهم. و ليس من الحرج أن نعتبر ذلك العاشق للفن الذي ليست له قدرة مالية، أو ذلك الذي له دخل متوسط في فلب مشروع ثقافي يساهم في بناء العقول.
يظل الإهتمام بالثقافة بعيدا عن خدمات فندقية من صنف “عشرة نجوم “تخصص لكبار القوم البورجوازيين، تفدم لهم قبل و بعد الحفلات ببذخ كبير. الثقافة الموسيقية ليست تصنيفا حسب الرصيد البنكي و الممتلكات العقارية و غيرها. الثقافة ثروة أكبر من المال الذي يريد أن يخلق ثقافة الفقر، و ايقاعات تخاطب الأجسام و الغرائز. سأظل احتقر اي مهرجان لا يستهدف الارتقاء بفن بلادي ، و يرفع من شأن تاريخ بلادي. ما نشهده اليوم لا يرقى إلى قيمة تاريخ بلادي. موازين بلادي غائبة عن أكبر مهرجان يتحصل على أكبر حجم تمويلات في بلادي و لا نصيب لفناني بلادي في الحصول على الجزء المهم منها. و لهذا أعتبر، و هذا رأي شخصي ، أن موازين لا علاقة لها بمغرب الثقافات كشعار عميق المرامي.