أسواق بيع الخمور وسط الأحياء السكنية
( ارباح كبيرة على حساب راحة السكان)
إدريس الأندلسي
تمنح رخص بيع الخمور لبعض الأسواق الكبرى رغم تواجدها في أحياء سكنية. و تتسبب هذه الرخص في المرور من حالة سكينة نفسية إلى حالة قلق يومي بسبب الإقبال الكبير على شراء الخمور في المساء. حدث هذا في شارع المهدي بن بركة بعد إفتتاح سوق كارفور التي تحج إليها أفواج من سكان تمارة و الهرهورة . و يتكون اغلب مرتادي هذه السوق في المساء من فئات إجتماعية هشة. كما تساهم بعض سيارات الطاكسي و حتى بعض سيارات المصلحة في ازدحام الطريق الخلفية التي تشهد اختناقا مروريا لضيقها . يحدث كل هذا في غياب أي قرار لمسؤولي مقاطعة اكدال الرياض.
أصبح معروفا أن المغاربة يعدون من بين الشعوب الأكثر استهلاكا للخمور. فبالإضافة إلى أرقام الإنتاج الخاصة بالشركات، و أرقام التصدير و الاستيراد، تبين أرقام معاملات المتاجر و الفنادق و المطاعم أن هذه المادة ذات مردودية كبيرة من الناحية المالية. و تشير التقديرات إلى أن الاستهلاك قد وصل إلى 120 مليون لتر في سنة 2024 أي ما يمكن أن يعادل حوالي 14مليار درهم ( تقدير معطيات الذكاء الاصطناعي شاملة الجعة و النبيذ و المشروبات الروحية ). و تجنى خزينة الدولة و الجماعات الترابية مداخيلا كبيرة عن طريق الضريبة على القيمة المضافة ( 20% و لا توجد معطيات تفصيلية)، و الرسوم الداخلية على الاستهلاك (2,4 مليار درهم)، و الرسم المحلي على المشروبات( حصيلة غير متاحة ). و تعرف هذه الضرائب تزايدا سنويا يساهم في إنعاش مداخيل الميزانية العامة للدولة.
يرجع التشريع الخاص ببيع الخمور إلى فترة ” حالة الاستثناء ” ، من 1965 الى غاية 1970، حيث كان مدير الديوان الملكي ، الراحل إدريس السلاوي هو المكلف بإصدار المراسيم بمثابة قانون في غياب البرلمان. و قد صدر خلال هذه الفترة قرار مؤرخ في 17 يوليوز 1967 ينظم بيع المشروبات الكحولية في بلادنا. ولا زال هذا النص القانوني هو الوحيد في هذا المجال. فبالرغم من منع المتاجر من بيع هذه المشروبات لغير المسلمين، فإن البيع للمسلمين أستمر لأسباب عديدة ذات أبعاد إجتماعية و اقتصادية و أخرى تتعلق بالصحة العامة.
و لا يمكن فصل إرتفاع مبيعات الخمور و استهلاكها عن واقع مجتمعي تفككت خلاله عدة مؤسسات مجتمعية و تغير فيه شكل المعمار و التعمير، و تغيرت بنياته الثقافية و الإقتصادية و التربوية. و لا أظن أن هذه التغيرات خاصة بالمغرب. لكن الجديد في الموضوع هو التحول الذي عرفته أشكال بيع الخمور. كانت المتاجر تتمركز خارج أسوار المدن العتيقة، بعيدا عن الأحياء السكنية. و كانت ظاهرة ‘ السقاءين ” تعم بعض الأحياء للاستجابة لطلبات بعض المستهلكين داخل حارات و دروب المدينة.
و تحول أسلوب البيع بشكل كبير بعد ظهور الأسواق الكبرى. و قد أحدث هذا التطور منافسة بين هذه الأسواق دفعت بهم إلى فتح متاجرهم بالقرب من الأحياء السكنية التي تقطنها الطبقات المتوسطة ذات الدخل فوق المتوسط. و قد أدت هذه الوضعية إلى تدهور الأمن في محيط هذه الأسواق. و قد اضطر سكان بعض هذه الأحياء على الاعتراض على بيع الخمور بالقرب من سكناهم. و قد حدث هذا في أحد أكبر الأحياء بالهرهورة، و هو حي الوفاق. و قد اضطرت ” أسواق كارفور” لعدم إدخال المشروبات الكحولية إلى سوق هذا الحي. و قد ساهمت أسواق مرجان في تخفيف أثر بيع الخمور على الأحياء التي توجد بها منذ سنوات، و ذلك بامتناعها عن بيع الخمور. و لا زالت بعض الأحياء تعاني من الفوضى المرورية ، و تلك التي تفضي إلى مناوشات و مشاجرات حادة بسبب الأعداد الكثيرة للمدمنين التي تتزاحم خلال الفترة المسائية. و يحصل هذا يوميا في محيط سوق كارفور الذي يوجد في شارع بن بركة بحي الرياض على سبيل المثال. و يكتوى سكان المنازل المحيطة بهذه السوق بالفوضى اليومية التي تحول، في كثير من الأحيان، دون إخراج سياراتهم من منازلهم، بالإضافة إلى كميات الكلمات النابية التي تصل إلى اسماعهم في حضور الأبناء و الأحفاد. و السبب في هذا رخصة منحت لتاجر في غياب أي اعتبار لظروف السكان و الأضرار التي تلحق بهم.
و إذا كانت الضرورات الإقتصادية و الإجتماعية تخفف من الضغط على بائعي و مستهلكي المشروبات الكحولية، فإنه أصبح من الواجب الإهتمام بالوضع المقلق الذي تتسبب فيه أسواق بيعها التي توجد وسط أو بالقرب من الأحياء السكنية . لا أقدم شكاية بالبائع أو بالمشتري، و لكن أثير انتباه صاحب القرار إلى نتائج وخيمة قد تحدث بفعل تفشي السلوكيات العنيفة في محيط الأسواق. و قد تزداد الوضعية استفحالا خلال التظاهرات الرياضية التي سينظمها المغرب بعد شهور قليلة. و ستصبح السوق الموجودة بشارع المهدي بن بركة ” قبلة ” للآلاف من الباحثين عن شحنة مصطنعة خلال مباريات الفريق الوطني، لأنها الأقرب إلى مركب الأمير مولاي عبدالله.