آخر الأخبار

و يستمر تزيين الواجهة بمراكش ….

تهيئة على المقاس… حين تُزيَّن الواجهة وتُترك الأزقة لمصيرها !

في الوقت الذي كانت فيه ساكنة حي جيليز تنتظر إنصافها من الإهمال المزمن الذي طال أحياءً وأزقةً باتت أشبه بمناطق منسية من زمن الاستعمار، اختار المجلس الجماعي لمراكش أن يصدم الجميع بـخيار غير مفهوم ولا منسجم مع أبسط منطق ترتيب الأولويات: البدء بأشغال تهيئة شارع محمد الخامس، أحد الشوارع الرئيسية للمدينة، والذي لم يكن في الأصل يعاني من أي تدهور كبير في بنيته التحتية.

هذا القرار الذي يبدو أنه صُمم على المقاس، يُعيد إلى الأذهان العبارة الشعبية الساخرة “العكر فوق الحنُّونة”، حيث تم تجميل ما هو في الأصل جيد أو مقبول، وترك ما هو فعلاً كارثي ومتدهور لمصيره، وكأن الأزقة والشوارع المتفرعة عن قلب جيليز لا تستحق أن تدرج ضمن أولويات الإصلاح الحضري.

فمن زنقة يوغوسلافيا، إلى زنقة سوريا، وزنقة موريتانيا، وزنقة الحرية، وشارع مولاي رشيد… أمثلة لا حصر لها لأحياء عريقة، باتت اليوم تُشكل خجلاً عمرانياً حقيقياً وسط مدينة تُسوّق نفسها كوجهة سياحية عالمية. أرصفة مهترئة، حفر عميقة، غياب تام للإنارة الجيدة، وكل ذلك في أحياء لا تبعد سوى أمتار قليلة عن الشوارع التي تُزخرف بأموال دافعي الضرائب لمجرد كونها تُطل على الفنادق أو تمر منها وفود الزوار.

الأدهى أن سكان هذه الأزقة باتوا يُشبهون أرصفتهم بـأرصفة غزة المدمّرة، في إشارة دامغة لحجم الدمار والتهميش الذي يطبع المشهد الحضري فيها، دون أن يحرك المجلس الجماعي ساكناً.

فهل تهيئة المدينة تعني فقط تجميل الواجهة لغاية في نفس “المصورين”؟
وهل باتت السياسة الحضرية رهينة منطق البهرجة وإرضاء لوبيات الاستثمار السياحي، عوض الوفاء بالحد الأدنى من العدالة المجالية والكرامة الحضرية للمواطنين؟
أليس من الأجدر أن تُوجَّه الميزانيات نحو الأحياء التي تعاني فعلاً من تدهور حقيقي؟ وأن تُعطى الأولوية لمنطقة جيليز من الداخل، لا لشارعها الخارجي الذي يُعاد تلميعه للمرة الثالثة في أقل من عشر سنوات؟

ما يجري اليوم ليس مجرد خلل في برمجة الأشغال، بل هو نموذج صارخ لفشل في الحكامة المحلية، وتعبير عن منطق سياسي يُفضل الصورة على الواقع، والواجهة على الجوهر، و”الديكور” على الخدمات الحقيقية التي يحتاجها المواطن في يومياته.

لقد صار واضحاً أن المجلس الجماعي الحالي يُعيد إنتاج نفس الأخطاء التي جعلت من مراكش “مدينتين في واحدة”: واحدة تُعرض على بطاقات السياحة ومواقع التواصل، وأخرى تُخفي بؤسها بين الأزقة الخلفية التي لا تصلها عدسات الكاميرات.

والخوف كل الخوف أن تتحول أشغال التهيئة في مراكش إلى مجرد واجهات تجميلية مؤقتة، لا تُراعي التوازن ولا تخدم الصالح العام، بل تُكرّس منطق “الانتقاء السياسي والمصلحي” في خدمة فئة معينة، على حساب كرامة أحياء بأكملها وسكانها