آخر الأخبار

عبد النباوي يُحدث ثورة في التكوين القضائي

في خطوة جديدة ضمن ورش إصلاح العدالة، أصدر محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، قراراً حاسماً يهمّ تنظيم تكوين الملحقين القضائيين بالمعهد العالي للقضاء. القرار، الذي نُشر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، يحدّد بدقة مدة التكوين، مواده، مراحله، وآليات التقييم، ويُجسد تحوّلاً نوعياً في إعداد النخبة القضائية المغربية.

حدد القرار رقم 33.25 مدة التكوين في سنة واحدة، مقسّمة على مرحلتين: 6 أشهر للدراسة النظرية بالمعهد العالي للقضاء، و5 أشهر للتدريب التطبيقي داخل المحاكم، بالإضافة إلى زيارات ميدانية لمؤسسات وقطاعات ذات صلة، مثل الشرطة القضائية، والمصالح الإدارية، وبعض المقاولات العمومية، مما يضمن انفتاح الملحق القضائي على السياق العملي الأوسع.

هذا التحول يأتي في سياق انتقال الإشراف على المعهد من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تطبيقاً للقانون رقم 37.22، ويترجم رغبة المؤسسة القضائية في ضمان تكوين مستقل، مهني، ومواكب لمتطلبات العدالة المعاصرة.

ولأول مرة، يُدرج ضمن وحدات التكوين “وحدة التواصل واللغات والتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي”، وهي سابقة في تاريخ التكوين القضائي بالمغرب، وتهدف إلى تدريب الملحقين القضائيين على تعريب الأحكام، استعمال الأمازيغية، تطوير مهارات التواصل مع المتقاضين، واستعمال الأدوات الرقمية الحديثة في إعداد الأحكام وتدبير الملفات.

كما تتضمن الخطة التكوينية وحدات مثل “البيئة القضائية”، التي تغطي مبادئ علم الإجرام، علم النفس الجنائي، الطب الشرعي، وعلم الاجتماع، في ربط واضح بين القضاء والمعارف العلمية المساندة له. ويُخصص محور كامل لتكوين القضاة في مجال الأخلاقيات، عبر وحدة “الإطار الأخلاقي والمؤسساتي للقضاء”، تماشياً مع مقتضيات مدونة الأخلاقيات القضائية.

ينص القرار الجديد على تقييم دوري يخضع له الملحق القضائي من طرف مكونين مختصين، بغرض تتبع تطور كفاءته في تحليل النصوص، تحرير الأحكام، وضبط الإجراءات والمساطر القضائية. كما يُطالب بإنجاز بحث ميداني أو رسالة نهاية التكوين، تُعرض على هيئة التدريس بالمعهد قصد مناقشتها وإبداء الرأي فيها.

خلال الفترة التطبيقية، يُلحق الملحق القضائي بالمحاكم الابتدائية العادية أو المتخصصة (الإدارية أو التجارية)، تحت إشراف مباشر من قضاة مؤطرين. ويؤدي الملحق اليمين القانونية عند بداية التدريب، في إشارة رمزية إلى انتقاله من الطالب إلى “قاضٍ تحت التكوين”.

هذا القرار ليس مجرد تنظيم داخلي، بل إعلان نية واضحة لبناء عدالة مهنية، شاملة، ورقمية، قادرة على التجاوب مع انتظارات المواطنين ومتطلبات الدولة الحديثة. كما يعكس توجه المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى تحرير جهاز القضاء من البيروقراطية، وربطه بمبادئ الاستقلال، النزاهة، والتطور التكنولوجي.

وفي سياق عالمي يتغير بسرعة، يُعدّ هذا النموذج خطوة جريئة نحو عدالة مغربية بمستوى عالمي، تحترم التقاليد القضائية، دون أن تتخلف عن ركب التقدم العلمي والرقمي.