آخر الأخبار

مراكش: عشوائية قاتلة في تدبير الصحة

في الوقت الذي تُنادي فيه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتحديث المنظومة الصحية وتجويد الخدمات في إطار نظام GST الجديد، الذي سبق لجريدة “مراكش اليوم” أن تناولته تفصيليًا في مقال بتاريخ 14 ماي 2025، يعيش سكان حي المسيرة وكاسطور فوضى حقيقية في ولوجهم إلى أبسط خدمات الرعاية الأولية.

القصة تبدأ قبل سنتين، حين تم إغلاق مركز المسيرة الثانية الصحي بشكل رسمي، وتحويل كامل الطاقم العامل به إلى مركز كاسطور، بدعوى الاستعداد لهدم هذا الأخير وإعادة بنائه وفق المعايير الجديدة للمنظومة الوطنية للصحة. خطوة بدت حينها منطقية، رغم افتقارها إلى أي تواصل رسمي مع المواطنين.

لكن الفوضى الحقيقية بدأت لاحقًا.

فجأة، وبعد سنتين من إغلاق مركز المسيرة، أعيد فتحه دون أي إعلان أو إشعار رسمي، بينما أُغلق مركز كاسطور بدوره، وما زال مغلقًا حتى اليوم، في مشهد يعكس العبث الكامل في التخطيط والتدبير. النتيجة: دمج المركزين فعليًا في بناية واحدة، دون تغيير يذكر في البنية التحتية أو الموارد البشرية، بينما يظل المواطن هو الضحية الأولى لهذا التلاعب الإداري.

المواطن ضائع بين الأبواب

في جولة قصيرة أمام المركز “الموحّد”، يُمكن لأي زائر أن يلمس الارتباك: مرضى لا يعرفون هل يقصدون مركز كاسطور أم المسيرة، بطاقات مواعيد تحمل أسماء مختلفة، ملفات صحية متناثرة بين طاقمين لا يعرفان أحيانًا من المسؤول عن من، وأطر طبية تعمل في ظروف مشوشة دون وضوح إداري.

منظومة جديدة… بتدبير قديم

في ظل كل هذا التخبط، يبقى السؤال الجوهري: أين هي الجدية في تنزيل منظومة GST؟ كيف يمكن الحديث عن رقمنة وتجويد وتحديث، في وقت يتم فيه تحريك المراكز الصحية وكأنها بيادق في رقعة “ضامة”، لا حتى شطرنج — لأن الشطرنج يتطلب تخطيطًا مُسبقًا وقراءة لِما بعد الخطوة، وهما أمران غائبان تمامًا عن هذه الفوضى.

المثير للدهشة أن هذه العشوائية لا تقتصر على التسيير الداخلي، بل تمتد إلى التواصل مع المواطنين الذين لا يُعلمون بإغلاق مركز أو فتحه إلا عند وصولهم واصطدامهم بالأبواب الموصدة.

من يُحاسب؟

من المسؤول عن هذه المهزلة التنظيمية؟ المديرية الجهوية للصحة؟ مندوبية مراكش؟ الإدارة المركزية؟ أم أن المواطن وحده مطالب بالتأقلم مع “القرارات العشوائية” التي لا تُراعي الحد الأدنى من الكرامة والخدمة الصحية؟

جريدة “مراكش اليوم” تُعيد دق ناقوس الخطر، وتطالب بفتح تحقيق إداري شفاف في كيفية تدبير هذا الملف، وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة أن صحة المواطن ليست لعبة إدارية تُدار من مكاتب مكيفة، بل مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل الاستخفاف.