آخر الأخبار

حطاب الليل

إدريس بوطور

( كحاطب ليل ) ، مثل عربي قديم قدم الحياة العربية. الكاف في المثل تفيد التشبيه والمقارنة بما سبق من الكلام ، والحاطب أو الحطاب على سبيل المبالغة هو من يتعاطى حرفة جمع ما جف وتساقط من غصون وفروع الأشجار ، وما يبس واصفر من أعواد النباتات وهشيمها قصد بيعها لمواجهة مصاريف الحياة . هذه الحرفة عادة ما تمارس في وضح النهار منذ ظهور الخيوط الأولى لأشعة الشمس إلى الضحى ، لكن ممارستها ليلا أمر نشاز لعدة أسباب ، حيث تصبح محفوفة بالمخاطر ، لأن الحاطب ليلا يجمع الحطب دون تمييز ، وقد تصادف يده الممدودة في الظلام أفعى أو عقربا فيلقى حتفه ** هذا هو المعنى الواقعي للمثل ، أما المجاز الذي يضرب له القول فقد أطلقته العرب على النمام الذي لا يحفظ لسانه ويطلق له العنان في ذكر أعراض الناس بالسوء ، والسعي بالزور إلى التشتيت والتفريق بين الاواصر، والخوض في الماء العكر، ونقل الأخبار ما صح منها وما بطل ، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث بلبلة أو فتنة وتشتت شمل المجموع ** إن الكلمة أمانة والنقل عن الغير مسؤولية عظمى تستدعي التحقق والدقة حتى لا تتناسل الإشاعات وتصيب ظلما الأفراد والجماعات . وفي هذا الإطار قال نبي الهدى عليه الصلاة والسلام ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) ، كما أن الله عز وجل وصف النمام /حاطب ليل بالفاسق وطلب من العقلاء ذوي الألباب أن يتريثوا في تصديق ما ينقله من أخبار . ** فكما أن حاطب ليل لا بد أن يصادف يوما ما نهاية مأساوية محتومة ، فكذلك النمام وكل من سلك مسلكه ، يأتي يوم تفضح فيه سريرته ويعزله مجتمعه باحتقار كالبعير المعبد ، دون ذكر النهاية الأبدية يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .