آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : عتبرة و عبلة

سعيد عفلفل 

تعتبر قصة عنترة و عبلة من أشهر قصص الحب و العشق عند العرب. وقد نالت هذه القصة شهرة و متابعة كبيرتين عبر التاريخ. تقاطعت الحقيقة مع الخيال في هذه القصة، حيث أضحى من الصعب التمييز بين الواقع و الحقيقة من جهة وبين الخيال و الوهم من جهة أخرى. إذا كان حب عنترة لعبلة حقيقة لا يختلف حولها إثنان، فإن الرواة و المحدثون قد اضافوا إلى هذه القصة من خيالهم أشياء كثيرة لا يصدقها العقل حتى أصبح عنترة شخصية أسطورية خرافية من أساطير العشق و الحروب و البطولات.
عنترة بن شداد العبسي شاعر من فطاحل الشعراء العذريين في فترة ما قبل الإسلام؛ وهو من أصحاب المعلقات. استحسنت العرب شعره و صنفته من طبقة الشعراء الأولى. والده هو عمرو بن شداد من سادة و أعيان قبيلته عبس. أنجب عنترة من أمة حبشية سوداء تسمى زبيبة كان قد سباها في إحدى حروبه. رفض شداد الإعتراف بابنه عنترة و نسبه إليه لأنه كان عبدا أسود اللون، ابن أمة. و كانت العرب لا تعترف بأبناءها من الإماء إلا إذا ابدوا شجاعة و بطولة في الدوذ و الدفاع عن القبيلة.
وقع عنترة في حب بنت عمه عبلة. و عبلة هذه هي عبلة بنت مالك، وهو من سادة و أعيان القبيلة. كانت عبلة فتاة، غادة فائقة الحسن و الجمال بيضاء البشرة، ممشوقة القوام. لما تقدم عنترة لخطبة عبلة من عمه، رفض هذا الأخير. لتعجيز عنترة وثنيه عن تحقيق مراده و غايته طلب مالك من عنترة مهرا تعجيزبا وهو إحضار ألف ناقة من نوق النعمان بن المنذر ملك العراق، المعروفة بالنوق العصافير وهي نوع نادر من الإبل. خرج عنترة للإتيان بمهر عبلة و لقي في سبيل ذلك الكثير من الأهواء و المشاق. لكن عنترة نجح في مسعاه و أحضر الألف ناقة. غير أن عمه أبدى تماطلا في الوفاء. ولم يرض تزويج ابنته بعبد أسود. و قال للراغبين في الزواج بعبلة وهم كثر، إن مهر عبلة هو رأس عنترة. خاض عنترة مبارزات قوية ضد كل من كانت رغبته الزواج بمعشوقته و نجح في هزمهم كلهم. وهنا تضاربت الأقوال و الروايات. هناك من يرى أن عنترة تزوج فعلا ابنة عمه عبلة و عاش معها ردحا من الزمن. لكن عبلة لم تنجب أبناء لأنها كانت عاقر؛ وأن عنترة تزوج عليها أكثر من امرأة و أنجب منهن أبناء. وهو الفعل الذي لم يغض عبلة و لم يؤثر على حبها له، فكانت تقول :” لو ملك عنترة مائة امرأة ما يريد سواي. ولو شئت رددته إلى رعي الجمال؛ وحق ذمة العرب أنه يبقى لشهر و شهرين لم أخليه يدنو مني حتى يقبل يدي ورجلي، واني معه هذا الزمان ما رزقت منه بولد.”
ويقول بعض الرواة إن عنترة لم يتزوج عبلة قط. إذ ظل على حبه و هيامه لها، يتغنى و ينظم الأشعار فيها مخلصا لها ووفيا لحبه. وأن عبلة تزوجت أحد الفرسان العرب أبيض اللون. ويستدلون على ذلك بشعر لعنترة رواه الأصمعي:
” إما تريني قد نحلت و من يكن*** عرضا للأطراف الإنة ينحل
فلرب أبلج مثل بعلك بادن *** ضخم على ظهر الجواد مهبل
غادرته متعفرا اوصاله *** و القوم بين مجرح و مجدل”
اداً كثيرة هي الروايات التي نُسجت حول عنترة و عبلة لكن ما هو مؤكد هو أن عنترة قد تفرد بحبه لعبلة و كان هذا التفرد من خلال قصائده التي لم تكن تخلو من ذكر محبوبته عبلة. حب عبلة كان له تأثير عظيم في نفس و شعر عنترة.
حضيت قصة عنترة و عبلة بمكانة أثيرة لدى شعراء الملحون ،إذ ذكرها الشعراء القدامى و المحدثون في كثير من قصائد العشاقي و استشهدوا كثيراً بوفاء و إخلاص عنترة لعبلة و الأمثلة كثيرة نذكر بعضا منها.
في قصيدة القاضي يقول علي البغدادي :
“و عنترة الحگازي ضيع غيواني *** من أرض الحجاز حْرَكْ للمنذر بن عمرو ف البر الجوان
جا طالب الحق بالمعاني *** حتى جاب نياق العصافير بعد ما قاسى ف الميدان.”
أما في الشعر المعاصر يقول الحاج أحمد سهوم رحمه الله في حربة قصيدة شرفة:
” صولي صولة عبلة الصايلة يا صيلة لشراف *** حبك عندي شرف *** أ مولاتي شرفة *** وانا صولة عنترة نصول ف المحافل كافة. ”
وعودة لقصيدة القاضي يقول البغدادي :
” ما ريت مثيل بهاك بعياني *** فقتي جازية و شميسة عبلة و راضية كانوا ناس زمان.”
وفي قصيدة طامو يقول الحاج محمد النجار :
” بها تضرب لمثال *** حازت همة و كمال *** مذكورة بالحسن تنشكر*** فاقت عن عبلة و جازية ،دامية لبطاح.”
ويقول محمد بن سليمان في قصيدة الياقوتة:
” يا سيف عنترة فنهار يطول لقتال*** يا بند دولة العلوي *** يا تاج لاسم كسراوي**يا رمح حامله علقاوي.”