آخر الأخبار

جليل طليمات يتحدث عن السي احمد المدرس

أحمد المدرس: لاشك في أن أي حديث عن السيرة الذاتية لأحمد طليمات , لن يستقيم بدون استحضار فضائه الأثير الذياستمد منه كل حيويته وعنفوانه, إنه الفصل الدراسي , كمكان للقائه اليومي مع زهرات حياته (أي تلاميذه وتلميذاته ) وذلكعلى مدى ثلاث وأربعين سنة من الممارسة التعليمية التربوية لم يتغيب فيها ولا يوما واحدا, وظل سجله المهني خاليا من أيةرخصة طبية إلى حين نهاية الخدمة, فالفصل الدراسي في حياة أحمد كان بمثابة الماء بالنسبة للسمكة ,وبيان ذلك واقعتاناستثنائيتان وفريدتان :

الأولى , كما حكاها لي سنة 2005 ,أنه بعد إحالته على المعاش ( أي التقاعد) لم يتحمل نفسه خارج الفصل الدراسي , بعيداعن أحبائه التلاميذ , فقصد النائب الإقليمي للوزارة حينذاك ( المدير الإقليمي حاليا) عارضا عليه التطوع لسد خصاص مافي أساتذة اللغة العربية ,أوتعويض من هم وهن في رخص طبية ! لم يصدق النائب أذنيه, وبقي مشدوها أمام هذا الطلبلمدرس قضى أكثر من أربعة عقود في مهنة التدريس, قدر مبادرته التطوعية..واعتذر بالقوانين والمساطر الإدارية عن عدم تلبيةرغبته النبيلة .

أما الواقعة الثانية , وقد عشتها معه وهو طالب مفتش أو مشروع مفتش خلال الموسم الدراسي 1987 _1988, حيث كان يقيممعي في البيت بالرباط صحبة الصديق والرفيق محمد فكري , وعلى بعد ثلاثة أشهرمن تخرجه من مركز تكوين المفتشين غادرالمركز منسحبا ! وعاد لفصله ليلتقي بتلامذته بفرح متبادل.

هكذا هو شغف أحمد بوظيفة التدريس,وتعلقه بالمتمدرسين والمتمدرسات , فالشغف والحب والالتزام الواعي والحر بالمسؤوليةهي مفاتيح أية قراءة لتجربة أحمد المدرس _ النموذج..فقد أسس خلال مساره التربوي , سواء كمعلم أو كأستاذ للغة العربيةتجربة متميزة في العلاقة التربوية بين المدرس والتلميذ (ة) حرر فيها الفعل التربوي من الحواجز التقليدية التي تسيجه ,وتؤثرسلبا على أهدافه وغاياته التربوية و المعرفية والقيمية والوجدانية . لقد تشكلت لأحمد من خلال هذه التجربة قناعة راسخة بانمدخل أي إصلاح وتطوير للمنظومة التعليمية هو المدرس(ة) ومواصفاته المطلوبة.. فالمدرس الذي لا شغف له بوظيفة التدريسولا تعاطفا مع الممدرسين ( ات) وحبا لهم ,ولا تشبعا بقيمة الحرية في التعلم والتربية ,يصبح العائق الرئيس أمام أي إصلاحتربوي عميق وحقيقي.

إن الحكي عن الأداء التربوي للأستاذ أحمد ,وعن علاقته بالمتعلمين (ات) يحتاج إلى كراسة أو كتاب, وكم كان يتمنى, ويعدإخوته وأصدقاءه وزملاءه بكتابةمذكراته التربويةليعرض فيها تفاصيل ذلك العشق للمدرسة العمومية ولأبنائها ولبناتها, أطفالا وطفلات , و يافعين ويافعات ,و ليكشف عن كيف استطاع في تجربته المهنية التربوية ,أنسنة العملية التعليمية ,وكيفجعل تلامذته يكتسبون تعلمات ومهارات وقيم من خلال مشاركتهم ومبادراتهم وإنجازاتهم , ويكتشفون وجودهم الذاتي الفرديالمستقل,و في نفس الوقت انتماءهم للجماعة , للمدينة والمجتمع تماما, كمنيكتشف الطريق من خلال السيرفيها بحرية.., نعم الحرية هي التيمة المركزية في السردية الذاتية لأحمد برمتها , فكانت بالتالي هي الاختيار البيداغوجي والقيمي فيتصوره وممارسته لوظيفته لتربوية التعليمية ,ومن تجلياتها إبداع وضعيات تعلمية محددةغير ممأسسة “,والتدريسبنصوصغير مدرسية” : نصوص شعرية وقصصية ,ومشاهد مسرحية وأغاني مختارة بعناية ونصوص إبداعية من توقيعه , وخرجات لفرق تلاميذية إلى فضاءات المدينة لإنجاز تحقيقات ميدانية مكتوبة ومصورة حول مآثرها , وحتى حفرها , وتقاريرعن حلقات الحلايقية بجامع الفنا وموضوعاتها .. وغيرها من الوضعيات التعلمية والأنشطة التربوية التثقيفية التي لا تقصيالمقررات الرسمية وإنما تحتويها ,وتبتعد عنها مسافة وعمقا , وهكذا يتخرج تلميذ ( ة) أحمد من سلك الإعدادي برصيد ثقافيوكفايات لغوية وتواصلية , شفوية وكتابية تؤهله لربح باقي رهانات مساره الدراسي ,والتكويني لشخصيته المستقلة. لقد أضفىأحمد على الممارسة التربوية والتعليمية صفات إنسانية ارتقت إلى مستوى سلوكي وعلائقي راق يقوم على التعاطف والصداقةوالمحبة , تلك هي تمرة النهج التربوي المبدع لأحمد المدرس والمربي , نهج التربية على الحرية : حرية الفكر والوجدان والفعل.