آخر الأخبار

مولاي عبد السلام الجبلي يستعيد ذكريات المقاومة المغربية

عبد الرزاق القاروني

صدرت للمقاوم والوطني المغربي الكبير مولاي عبد السلام الجبلي الطبعة الثانية من كتابه الموسوم “أوراق من ساحة المقاومة المغربية”، من القطع الكبير في 272 صفحة، عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش.

وبالموازاة مع ذلك، رأت النور لنفس المقاوم، في ذات الفترة وعن ذات دار النشر، الترجمة الفرنسية لهذا الكتاب، في طبعتها الأولى، تحت عنوان: “مذكرات مولاي مولاي عبد السلام الجبلي، حياة مكرسة لاستقلال المغرب”، في 280 صفحة، والتي ترجمها محمد خماسي، وقام بمراجعتها الباحث والمترجم خالد المعزوزي.

– هندسة الكتاب

تضمن هذا المؤلف، إضافة إلى إهداء إلى روح الفقيد الوطني ورجل الدولة عبد الله إبراهيم، وإلى أرواح الشهداء الذين ضحوا في سبيل الاستقلال والكرامة والعدالة الاجتماعية بالمغرب، مجمل ما كتب وقيل عنه في الصحافة، وبمناسبة تقديمه للقراء، وكذا ثلاثة أبواب تعالج مواضيع وقضايا وطنية وسياسية محورية في مغرب ما قبل وما بعد الاستقلال، بدءا بالحركة الوطنية بين مراكش وباقي ربوع المغرب، ومرورا بالتكامل بين تجربة المقاومة في مراكش والبيضاء، وانتهاء بتتبع المشهد السياسي في المغرب. كما يحتوي هذا الكتاب بين دفتيه مداخلة الباحث والأستاذ الجامعي محمد معروف الدفالي، التي سبق أن ألقاها، خلال ندوة، في الموضوع، منظمة بمؤسسة محمد الزرقطوني بالدار البيضاء سنة 2015، علاوة على تعريف بمؤسسة مولاي عبد السلام الجبلي بتامصلوحت، غير بعيد عن مراكش، التي لها أهداف تربوية وثقافية وعلمية.

– حياة منذورة للمقاومة

ولد المقاوم مولاي عبد السلام الجبلي، واسمه الحقيقي هو مولاي عبد السلام الإدريسي الجميلي، يوم 02 مارس 1929 بدرب سيدي أحمد السوسي بحي سيدي بن سليمان الجزولي، أحد أولياء مراكش السبعة، صاحب مؤلف “دلائل الخيرات”، والذي كان أتباعه من المجاهدين الذين ساهموا في تحرير الثغور المغربية من نير الاستعمار البرتغالي.

حفظ المقاوم الجبلي القرآن الكريم في الكتاب، وعمره لم يناهز الثامنة، ما جعله يتميز بحافظة قوية تمكنه من التقاط الأشياء بمجرد سماعها. عقب ذلك، انتقلت أسرته إلى السكن في دار خال والده الفقيه الجبلي، الكائن بدرب سيدي أحمد بناصر بقاعة ابن ناهيض، والذي قطنه، في فترة من الزمن، خلال حكم الدولة المرينية، العالم الرياضي ابن البناء المراكشي، ما جعله يتكنى باسم هذه الدار، ذات الرمزية والحمولة التاريخية الكبيرة، والتي تعلم في الكتاب المجاور لها قواعد اللغة العربية.

ونظرا لأن هذا المنزل كان كبيرا وفسيحا، كان أبوه ينظم فيه اجتماعات أقطاب المقاومة والحركة الوطنية بالحضرة المراكشية، من أمثال عبد الله إبراهيم وعبد القادر حسن، إضافة إلى امحمد الملاخ. كما درس المقاوم الجبلي بجامعة ابن يوسف بمراكش، ومارس العمل السياسي، إضافة إلى كونه يعتبر من رموز مقاومة الحماية الفرنسية بالمغرب، ما عرضه للاعتقال، عدة مرات، بسجون بولمهارز بالمدينة الحمراء، وورزازات وتازناخت، واغبيلة بالدار البيضاء، علاوة على السجن المركزي بالقنيطرة.

 

– قيمة تاريخية كبيرة

لهذا الكتاب راهنية وأهمية كبيرتين لكونه يعتبر إضافة نوعية، في مجال الكتابات التاريخية حول المقاومة المغربية والحركة الوطنية، ولأنه يعالج موضوعا، رغم مرور ما يزيد عن نصف قرن على مجريات أحداثه، لا زال يستأثر باهتمام الباحثين والمهتمين، ولا زالت تسوده الكثير من أماكن الظل التي تحتاج للاستجلاء. فمن خلال أسلوب سردي مشوق، يستعيد المؤلف، بسلاسة وانسيابية، بعض المحطات المفصلية في سيرورة المد التحرري المغربي، إبان الحماية الفرنسية بالمغرب، خصوصا بمدينة مراكش. كما يحكي عن مجموعة من الوجوه البارزة في مشهد النضال والمقاومة، الذين استرخصوا الغالي والنفيس، من أجل استقلال المغرب، من أمثال: عبد الله إبراهيم وعبد الرحمان اليوسفي، ومحمد الزرقطوني وحمان الفطواكي، ومحمد البقال والفقيه البصري، ورحال المسكيني، إضافة إلى عبد القادر حسن.

 

وجاء هذا المتن السردي، الذي يحتفي بوهج بطولات المقاومة والحركة الوطنية المغربية، والذي تفوح من بين ثنايا سطوره رائحة الدم والنار، غنيا بالشهادات والوثائق الإيقونوغرافية التي توثق لعدة محطات بارزة في المسلسل التحرري للوطن أو الحياة الشخصية لصاحب هذا الكتاب.

 

وبخصوص هذا المصنف، يؤكد المفكر والروائي حسن أوريد: “أن هذا الكتاب ليس فقط سيرة ذاتية، بل هو تأريخ لفترة حاسمة من تاريخ المغرب”، مضيفا أن هذا “الكتاب، الذي يتضمن معلومات لم يسبق نشرها، صدر في ظرفية خاصة تنامى فيها الاهتمام بتاريخ المغرب وربط الصلة بالماضي”، ومبرزا “أن الكتاب الذي يصب في خانة الوفاء للمقاومين المخلصين، يحكي عما عايشه مؤلفه، خلال مرحلة المقاومة وما بعدها، ويقدم شهادة عن الملابسات التي عرفتها الحركة الوطنية، والتي كان شاهدا عليها”.

 

ومن جهته، يقول الصحفي إسماعيل بلا وعلي: “لرواية الجبلي قيمتها الخاصة، فهو كان دوما في الصفوف الأولى، حريصا على الدقة والتنظيم المحكم للمبادرات المقاومة والسياسية، جريئا في الإعراض عن رفاقه والاختلاف معهم حين يظهر له أن ما هم عليه لا يوافق تحليله الخاص للظروف والسياقات”.

 

– مذكرات بين الأصل والظل

تعتبر ترجمة مذكرات المقاوم الجبلي إلى اللغة الفرنسية حدثا بارزا، في حد ذاته، لأنها ستمكن القارئ الفرنكوفوني من الاطلاع على جانب خفي ومهم من تاريخ المقاومة والحركة الوطنية المغربية الباسلة. كما ستتيح له الفرصة لمعرفة مجموعة من التفاصيل والقضايا المثيرة وغير المسبوقة، المتعلقة بهذه الفترة الدقيقة والحاسمة من تاريخ المغرب المعاصر، عبر ترجمة ماتعة للمترجم محمد خماسي، ومراجعة دقيقة للباحث والمترجم خالد المعزوزي.

 

وقد جاءت هذه الترجمة وفية للنص الأصلي، مغايرة له من حيث العنوان الذي تحول من “أوراق من ساحة المقاومة المغربية” إلى “مذكرات مولاي عبد السلام الجبلي، حياة مكرسة لاستقلال المغرب”، وهذا الوسم البليغ، واللصيق بالموضوع، الذي يبحر بنا في عوالم ذكريات بطولية، ومسجلة بمداد من فخر، من شأنه جعل هذا الكتاب أكثر مقروئية في أوساط القراء الفرنكوفونيين.

 

ومن جانب آخر، لقد اختلفت الترجمة عن متنها الأصلي، من حيث الرصيد الإيقونوغرافي، عبر عملية الحذف والإضافة لبعض الصور، حسب السياق والضرورات التوضيحية للنص المترجم، وكذا من حيث المحتوى، إذ غابت عنه المداخلة التقديمية للكتاب المنجزة، من طرف الباحث والأستاذ الجامعي محمد معروف الدفالي، والورقة التعريفية بمؤسسة مولاي عبد السلام الجبلي ذات الأبعاد التربوية والثقافية والعلمية.

 

– على سبيل الختم

أعطى المقاوم الشريف الجبلي، رفقة زملائه في درب الكفاح والحركة الوطنية المغربية، الشيء الكثير للوطن، من أجل أن يكون حرا، ويعيش أبناؤه في كرامة وسعادة واطمئنان، وكانت ضريبة ذلك أن بعض المقاومين قد استشهدوا، وأن البعض الآخر قد عاش جزءا من حياته مفتوحا على جميع الاحتمالات، موشوما بالمعاناة وعدم الاستقرار، وموزعا بين السجون والمنافي، وقد دون هذا الوطني الكبير هذا العطاء الاستثنائي، والتضحيات الجليلة في هذا الكتاب الذي نعرف به، وضمن مؤلفين آخرين، من هذا الصنف، هما: “المقاومة، وتستمر الحكاية”، إعداد الباحث والكاتب أسامة الزكاري، و”يوميات العمل الوطني والمسلح في المغرب”، حوار وإعداد الباحث والمحامي عبد الله العلوي.