آخر الأخبار

قصيدة راحلة

إدريس بوطور

(وهل يرحل الطيب من ورده ؟! وهل يهرب الغصن من ظله ؟! ) إنه بيت شعري جميل من قصيدة “راحلة ” والتي شكلت قاعدة لإبداع من أروع الأعمال الموسيقية المغربية ، ساهم فيه الشاعر المغربي المرهف عبد الرفيع الجواهري والملحن القدير عبد السلام عامر والصوت الشجي محمد الحياني ** إبداع ” راحلة ” كان سنة 1970 وعرف نجاحا متميزا نافس ( القمر الأحمر ) لنفس الشاعر ونفس الملحن ** قد يتساءل البعض ، لماذا لم يتم إسناد أداء اغنية “راحلة ” إلى المطرب عبد الهادي بلخياط ليكتمل نجاح ثلاثي القمر الأحمر ؟ جوابا عن هذا التساؤل المفترض أقول بأن إسناد أداء ” راحلة ” إلى الراحل محمد الحياني كان اختيارا صائبا ، فالطابع الحزين الذي خيم على حياته حتى عندما يبتسم كان له انعكاس ملحوظ على صوته ، هذا الصوت هو المناسب لمواقف الرحيل والفراق والوداع ** وحتى عندما ولج الحياني ميدان السينما كان اختياره لأداء البطولة في فيلم ” دموع الندم ” ذي المسحة الحزينة ** البيت الآنف الذكر موضوع التدوينة يطرح استفهاما حول مسألة مستحيلة ، وعندما يوضع الاستفهام حول هدف مستحيل يكون استفهاما للإنكار مع إثارة التعجب أي إنكار وقوع ما استفهم عنه ** وللفائدة أضيف أن الاستفهام في اللغة العربية يوضع لثلاثة مواضع إما للتقصي وطلب المعرفة وإما لإبداء التعجب وإما للإنكار والنفي ، وفي القرآن الكريم نماذج متعددة لهذه المواضع الثلاثة ** فعندما يطرح البيت الشعري السؤال ( وهل يرحل الطيب من ورده ؟!) فهو يهدف إلى إثبات العلاقة الوثيقة بين عنصرين اثنين ويهدف كذلك إلى إنكار حدوث انفصامها ، فالطيب والعبير لا يمكنهما مغادرة الورد لأن العلاقة لصيقة بين الطرفين حتى في حالة الذبول ، كما أن ظل الغصن لصيق به لا يفارقه في سكونه وحركته وترنحه مع الرياح ، ومع ذلك يأتي الفراق عن هذا وذاك ليثير تساؤلا باعثا على التعجب والاستغراب والاستنكار ** ما يمكن استخلاصه من خلال هذه التدوينة وانطلاقا من سؤال البيت الشعري / المقدمة هو أن على الإنسان ان يكون دائما في حالة استعداد لمواجهة الشقاق والفراق في العلاقات الحميمة والوثيقة حتى لا تصدمه المفاجأة والمباغتة و المداهمة.