آخر الأخبار

سعي اسبانيا لتكوين حلف استعماري

محمد نجيب كومينة 

هل تجر اسبانيا بلدان الاتحاد الاوروبي كلها و بمختلف قواها السياسية الممثلة في البرلمان الاوروبي الى تكوين حلف استعماري ؟
يبدو السؤال غريبا بعض الشئ للوهلة الاولى، لان الدول الاوروبية المستعمرة سابقا خرجت من مستعمراتها السابقة بعد قرار الامم المتحدة بانهاء الاستعمار، وبعد مقاومات الشعوب من اجل تحررها، و الدول غير المستعمرة كانت مع القرار الاممي، بحيث لا يوجد استعمار مباشر اليوم في افريقيا الا الاستعمار الاسباني لسبتة ومليلية، ويمكن اضافة جزيرة لاريونيون الخاضعة لفرنسا والتي تعتبرها مدغشقر امتدادا ترابيا لها.
لكن الغرابة تزول بعد التوصية الصادرة عن البرلمان الاوروبي، التي كانت غايتها الاولى نيل تزكية هذه المؤسسة لاول مرة بشكل صريح لاحتلال الثغرين المغربيين سبتة ومليلية من طرف اسبانيا، والان بعد تداول وسائل الاعلام الاسبانية اخبارا عن مسعى اسباني لاقحام المؤسسة الاوروبية الامنية المكلفة بالحدود “فرونتكس” في حماية ذلك الاحتلال باشراكها في مراقبة الحدود ووضعها وجها لوجه مع المغرب للضغط عليه للعب دور دركي الهجرة والقبول بالامر الواقع الاستعماري في نفس الان من جهة و فرض وادخال سبتة ومليلية المحتلتين الى المجال المشمول باتفاقية شنغن ذات الطابع الامني الشاملة لبعض الدول غير الاعضاء في الاتحاد الاوروبي من جهة ثانية.
ذلك ان اسبانيا، بمساندة صريحة وفعالة من طرف الجزائر وديبلوماسيتها، تتجه الان الى خلق حلف استعماري اوروبي قاري غير مسبوق، وربما شكلت التوصية التي صوتت عليها قوى اوروبية مختلفة ايديولوجيا، تمتد من اليمين المتطرف الى الخضر، امتحانا للاستعدادات، وهي استعدادات غير مؤكدة اذ ان التحرك السريع لاسبانيا و التحرك الموازي للديبلوماسية والمخابرات الجزائرية وادنابهما، والترويج للكثير من الاكاذيب، كانت عناصر سمحت بتوريط البعض في التصويت على توصية غطت على العمق بالهجرة غير النظامية التي تفزع مجتمعات اوروبية شائخة، ولو اثير الاحتلال لكان التصدع سريعا، خصوصا وان المغرب يستطيع ان يعبئ من حوله افريقيا والعالم العربي والاسلامي وربما دول اخرى من خارج هذه الدوائر متى استدعى الامر ذلك، لان الاستعمار الاسباني عتيق جدا و تلعب ضده الجغرافيا وكذلك التاريخ الذي يحضر في اسمي المدينتين المغربيتين المحتلتين، غير ان هذا لا يمنع من القول ان في اوروبا اليوم نزعة عنصرية متعاظمة يعبر عنها يمين متطرف متوسع الحضور ومتضامن و يجر اليه رويدا رويدا اليمين الحكومي وحتى بعض اطراف اليسار الباحثة عن مخرج من حالة الضعف والانعزال من ينظر الى المغرب نظرة ريبة، بما في ذلك في فرنسا، نتيجة تحوله الى منافس في افريقيا و ايضا نتيجة تجديده لتحالفاته مع الولايات المتحدة و المملكة المتحدة بعد البريكسيت وغيرها وايضا وايضا باعتباره جارا مسلما كان له حضور في التاريخ الاوروبي وكانت البلدان الاوروبية تتودد له بعد معركة وادي المخازن والجهاد البحري الى ان ظهر ضعفه في معركة ايسلي لاغاثة الامير عبدالقادر.
واذا ما اتجهت اسبانيا الى تنفيذ ما راج في صحافتها، التي اكتشفنا انها ليست كلها بالاستقلالية التي كنا نعتقد وليست ممنعة ضد العداء البدائي للمغرب، فانه يبقى مطلوبا التصدي بحزم لذلك وجعل انهاء الاستعمار قضية يومية في الساحة الاوروبية عبر تحركات وفعاليات مدنية و حزبية وبرلمانية وحكومية وايضا مسالة مطروحة في المنظمات العربية والاسلامية والافريقية والدولية، ومن شان تحركات عقلانية ومدروسة، و بمناى عن الاعلام الضار، ان تربك كل حسابات اسبانيا وان تجعل الاتحاد الاوروبي يتريث في مناصرتها ضد الشريك المغربي وفي افساد كل سياسة الجوار المتوسطي التي كانت تراهن على المغرب لانجاحها.
لكن ما يجب الانتباه اليه هو ان الجزائر هي من دفعت باسبانيا الى اخراج عدائها الدفين للمغرب وانها من تقوم باستغلال سذاجة الحكومة الاسبانية عبر الدفع بها، وبالاخص بواسطة وزيرة خارجيتها، الى المزيد من التصعيد والممارسات الاستعمارية، والجنيرالات مستعدين لتجويع الشعب الجزائري اذا راوا ان تخصيص كل موارد بلادهم يمكن ان يضعف المغرب ويلحق به الضرر، و يجب الانتباه في نفس الوقت الى ان جنيرالات الجزائر اذ يعتقدون ان الازمة مع اسبانيا قد الهت المغرب ديبلوماسيا، فانهم يحاولون العمل على واجهات اخرى لالحاق الادى به، وهم الى اليوم لايدخرون جهدا للعمل على سحب الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء و استرجاع ما ضاع منهم في افريقيا وغيرها و جعل اوروبا على الخصوص في خصومة مع المغرب، لذلك وجب التركيز على احباط مسعاهم و فضحهم امام العالم. وهذه المعارك بقدر ماتتطلب تعبئة كل الطاقات، فانها تتطلب ايضا تقوية الجبهة الداخلية وزرع الامل في المستقبل باتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها والشروع في الاصلاحات المطلوبة بجدية و انتظام.