آخر الأخبار

امريكا و الأوضاع العربية البؤرة اللبنانية – 7 –

لكن هذا الخيار ، الذي لم تخطئه بعد الوقائع الجارية ، لم يستلم بدوره من اعتوار وحتى شبهات طائفية يتركها لدي حاملي شعارات ” كلهن يعني كلهن ” ! ومع ذلك ، يظل هو الخيار العقلاني الممكن ، ما دامت بدائله الشعبية غير مكتملة بعد . وهنا تخطر لي ملاحظة جوهرية ، إذا ما تأملنا أعمق في مغزى التعاقد الجاري بين التيار الوطني الحر وحزب الله ، ومنذ سنوات ، قد نستشف منه ما هو أبعد من مجرد تحالف سیاسي مصلحي لحزبين ينتمي كل منهما لطائفة معينة ، مسيحية و شيعية . والاستنتاج بالأحرى أكبر من ذلك ، ومفاده أن الطريق لتجاوز النظام الطائفي ، وبنفس التكوين الحزبي القائم ، يمر حتما من تحالفات تقوم أساسا على مبدأين أساسيين ، الموقف من المسألة الوطنية تجاه إسرائيل والالتزام بالانتماء العروبي التحرري . وهما القاسمان المشتركان الأساسيان في تفاهمات الحزبين ، أكثر من اتفاقاتهما على جميع القضايا الأخرى . وعندما يشمل هذا التفاهم أوسع القوى السياسية من جميع الطوائف والمذاهب ، يستطيع المجتمع حينها ، لمتانة وحدته الكيانية ، ولتواري الاستقطابات الانشقاقية العمودية والحابلة بالفتنة ، أن يراكم بشكل أفضل خطواته الديمقراطية الإصلاحية نحو التقدم ، وتأخذ تناقضاته الاجتماعية دينامكيتها السوية في كيان متضامن على أرضية وطنية واحدة . وبتعبير آخر ، لا يمكن للصراع الاجتماعي أن يخترق السقف الطائفي ، إذا كان المجتمع منقسما طائفيا ومذهبيا على مسألته الوطنية الجامعة . ومن هذا المنظور ، فإن المصالحات والتموقعات الجارية مؤخرا بين دول المنطقة ، ستحيي معها بالضرورة في بلد شدید الارتباط بها ، أجواء التساكن والتفاعل الايجابيين بين مكونات المجتمع اللبناني . وفي موازاتها ستنتعش لدي التيار السني خصوصا ، وهو قوة كبرى ، التوجهات الوطنية التحررية التي كان تاريخيا هو حاملها . لولا ما حدث من إختراقات ثقافية وتحولات اجتماعية تحتاج إلى وقفة خاصة . ثالثا بعد تجربة ” حركة المحرومين ” لقائدها المختطف ” موسى الصدر ” ، و بعد بزوغ حركة أمل لزعيمها نبيه بري ، كان لحزب الله اليد العليا في نقل الطائفة الشيعية من رقم اجتماعي و سياسي مهمل و مهمش وبلا دور ولا حقوق ، إلى قيادة وطنية تحررية لها وزنها الكبير في المجتمع اللبناني . وهذه حقيقة لا مراء فيها . وقد لا يغيب عن ذهن من يتابع الحركية الأيديولوجية للحزب ، أنها تتطور نحو التشبع بالدولة المدنية وإلى أوسع أبعادها . فلا شبهة إطلاقا في اعترافه بالدولة المدنية وسعيه المتريث إلى تجاوز النظام السياسي الطائفي . وليس في واقع المذهب الشيعي الإثني عشري ما يلزمه في بلده بولاية الفقيه . وهذه الأخيرة أضحت في إيديولوجية الحزب مرجعية دينية روحية خالصة ، لا صلة أوامرية لها بالنظام السياسي اللبناني الذي يريده الحزب . ولا ينبغي أن ننسى أن فكرة ” ولاية الفقيه ” جاءت لتفك أزمة انحباس وجمود عانى منها طيلة قرون المذهب الشيعي الإثني عشري ،