آخر الأخبار

حكاية الضابط : شاهد ماشاف شي حاجة

عبد الرزاق الحيحي 

تناسلت بالشبكة العنكبوتية، وخصوصا بالمغرب، تقمص بعض الأشخاص دور الخبراء والمحققين الأمنيين فوجدوا في منصة اليوتيوب مرتعا خصبا ليصقلوا مواهبهم في ميدان الحكي، فحق لنا أن نلقبهم بالحكواتيين، إذ أن أغلبهم يحكون قصصا من نسج خيالهم، أو يتقمصون دور ضابط الشرطة القضائية المحنك الذي فك ألغاز قضايا جنائية، علما أن منهم من لم يمارس قط عمله بمصالح الشرطة القضائية، وقضوا مسارهم المهني بأكمله بدوائر الأمن العمومي. وأستثني قنوات بعض الزملاء المفيدة والتي أفتخر بمعرفة وصداقة أصحابها لما تحتويه من عروض يفتقد إليها كل مهتم بالميدان الجنائي.
كمثال على ما سبق، تفاجأت كباقي زملائي، متقاعدين وممارسين، بقناة طفت على سطح اليوتيوب، يقدم صاحبها “ماني بهجة ماني بهوج …” نفسه بأنه مارس عمله كضابط شرطة قضائية تقاعد في إطار المغادرة الطوعية سنة 2005 وأضع خطا عريضا تحت سنة 2005. كان عليه، وهو الضابط الذكي، أن يجري بحثا حول تناقضاته أثناء سرده لقصة الراقصة التي قتلت زوجها وقطعت جثته إلى أشلاء بمساعدة والدتها، بحيث يشير لمعطيات لا أساس لها من الصحة، أي أنه يمارس الكذب البواح، وبالعلالي كما يقال. والأغرب أنه يقول بعظمة لسانه أنه استقبل الزوجة القاتلة، حينما حضرت للدائرة الثامنة التي كان يعمل بها، لتسجيل محضر بحث لفائدة العائلة بخصوص اختفاء زوجها، فلاحظ ارتباكها وشك في أمرها.
لتنوير الرأي العام، أقول أن جريمة القتل العمد هذه، وقعت خلال شهر ماي 2009، وتذكروا أن المحقق المحنك قد تقاعد في إطار مغادرته الطوعية في شهر ماي 2005، أي أن الجريمة اقترفت بعد أربع سنوات بالتمام والكمال، وأن محضر البحث لفائدة العائلة حرر بالدائرة الحادية عشرة وليس الثامنة كما جاء على لسانه، ولا مجال للضابط أن يتقمص دور الباحث والمحقق الذكي الذي اكتشف ارتباك القاتلة وهو لم يشاهدها بتاتا، ولم يحضر أطوار البحث في القضية ولا خبرة لديه في ميدان القضايا الجنائية، وتعوزه الثقافة القانونية وتقنيات البحث المتوفرة لدى موظفي مصالح الشرطة القضائية، أطرا وعناصر، كما تعوزه أيضا اللغة العربية التي تمكنه، أثناء تحريره لتقرير ما، من إيصال الفكرة المنشودة سواء للقضاء أو لإدارة ما.
ويحضرني هنا مثل مغربي دارج يقول أن ولدا سأل أباه: متى سنصبح يا أبي من الشرفاء؟ فأجابه والده: حينما يموت ويختفي من يعرفنا. وبهذا أقول لهذا الضابط المحترم، كفى من الكذب حتى لا تكتب عند الله كذابا. وتلك نصيحة أوجهها لنفسي أولا ثم للضابط المحترم، بعدما بلغنا من الكبر عتيا، وأقول له: لقد أسأت وشوهت أعمالا جبارة لأطر مصلحة الشرطة القضائية، وكان عليك ألا تقترب منها.
سأطيل إن تتبعت باقي ما في قناة الضابط الحكواتي من مغالطات. أسأل الله الهداية وحسن الخاتمة للجميع، فأرباح اليوتيوب قد تصم أذنيه وتحول دون قراءته لهذه السطور، وكنت قد اتصلت به على الخاص ونبهته لما وقع فيه، دون جدوى. فمتى سيوضع حد لمثل هذا التسيب و الفوضى ؟