آخر الأخبار

التعيين في المناصب العليا و الغباء الاعلامي

تثير التعيينات في المناصب العليا الاساسية، ومن ضمنها المسؤوليات في عدد من المؤسسات الدستورية، اسئلة حقيقية لا يمكن ان يقترب منها او يقاربها اعلام يحرسه العسس و يستوطنه الغباء.
اول هذه الاسئلة يتعلق بضيق دائرة الاختيار بشكل غير مسبوق مند ان اصبح للمغرب مايكفي من الاطر المؤهلة معرفة وخبرات وتجارب لتولي مختلف المسؤوليات والتداول عليها. ضيق دائرة الاختيار يعني ان يتولون الانتقاء والاقتراح باتوا يعيشون في دائرة مغلقة شديدة الضيق و بانهم يدورون في نفس الدائرة من الزبناء الذين يخضعون للرسكلة في كل مرة دون اعتبار لما يمكن ان يقدموه وما لا قدرة لهم على تقديمه، اذ فاقد الشئ لا يعطيه، وهذا مامن شانه ان يورط الدولة في ميل محافظ ستكون نتيجته على المدى المتوسط وليس البعيد حالة من جمود المؤسسات والمراوحة في المكان في وقت تحتاج فيه البلاد الى من يسرع وتيرة الاصلاح والتنمية وليس العكس والا وجدنا انفسنا بعد لاي في مواجهة مشاكل عويصة وعصية على الحلول.
والسؤال الثاني، والاهم في تقديري، يتعلق بتحول المصفاة الامنية الى المصفاة الرئيسية التي تحدد التعيين في المناصب العليا، بحيث يمكن ان نقرا في عدد من التعيينات غلبة الحسابات الامنية و ان نكتشف تدخل اليد الامنية وبشكل يجعل الحسابات الاخرى، سواء منها السياسية او المتعلقة بالكفاءة والتجربة وملاءمة البروفايل، تستبعد بطرق شبيهة بما ساد في ستينات القرن الماضي وكان العجلة ترجع الى الوراء، هذا بينما لم تعد وضعية وصراعات الستينات قائمة و لا تواجه الدولة مخاطر كبرى تبرر بها ذلك، فحتى الخطر الارهابي زال تقريبا ولا يمكن استعماله مبررا الا اذا ساءت النوايا. وتعتبر غلبة المنطق الامني على هذا المستوى، وعلى مستويات اخرى، انحرافا حقيقيا ليس من شانه الا ان يولد انحرافات اخرى لا تخدم الامن الوطني بمعناه الشامل وليس بمعناه البوليسي الضيق و المفارق لدستور البلاد الجديد المفروض انه ينفتح على افق تاسيس وتكريس دولة القانون والمؤسسات وحماية الحريات والحقوق و انهاء ارث الدولة الاستبدادية البوليسية المتصادمة مع المجتمع ونخبه و المنغلقة.

فالدستور الجديد، الذي اتى بعد تنظيم مسلسل العدالة الانتقالية الذي جاء بدوره بعد اصلاحات تسعينات القرن الماضي وحكومة التناوب التوافقي، يحمل مشروعا للتجديد والانفتاح و توسيع المشاركة وليس واجهة او صالونا من قبيل صالونات بعض البيوت التي لا تستعمل الا لاستقبال الضيوف او تبقى فارغة.
غلبة الحسابات الامنية، التي يترتب عليها حيثما تغلبت تغول المؤسسة الامنية و ميلها الى التحكم في كل المفاصل وتجاوز دورها، يؤدي عاجلا او اجلا الى الغرغرينا.
الشئ اذا زاد عن حده انقلب الى ضده. مثل يتردد بكل اللغات ويكثف تجربة مختلف الشعوب والجماعات مع “الزيادة فيه” وعدم الاعتبار لاي حد سياسي او ثقافي او قيمي او اخلاقي او حتى تدبيري.

محمد نجيب كومينة