آخر الأخبار

قراءة في كتاب التجربة و الرؤيا : عبد الكريم الطبال نموذجا لعبد اللطيف سندباد – 5 –

شحيمة عبد الصادق

نفهم من خلال كل ما سبق وبتصريح الباحث وهو يقول بالحرف “انطلاقا من هذا النص يقصد نص الطريسي أنه مرجعيته المنهجية التي يستند إليها وهو ما سبق أن أشرنا إليه ممثلا في اعتبار النص ( نشاطا فنيا -وبناء تركيبيا شكليا ).

أما عن القول بأن المحلل يجد نفسه في غمرة الأساس النظري ،بدلا من أن يكون معطى سلفا فقول مردود ،نشبهه بمشاركة جندي يجد نفسه في ساحة المعركة مجردا من عدته وعتاده ونؤكد على القول والحاجة الماسة والضرورية للنظرية والمنهج بالاحترازات المومإ إليها آنفا .

وبالانتقال إلى المفهوم المركزي الثاني في الكتاب مفهوم الرؤيا الذي يشكل الفصل الثالث من فصوله نشير إلى ورود مفاهيم للرؤيا اعتمادا على مجموعة من النقاد والشعراء (صلاح عبد الصبور – اعتدال عثمان -منصف عبد الحق -أحمد الطريسي – مصطفى سويف …) وفي اللحظة التي تتم فيها الإشارة إلى أدونيس وتحديده لها يقول الباحث :” فإن الرؤيا بهذه الصيغة هي الجديرة باستحقاق نعتها إبداعية ،وليس منها ماذهب إليه الشاعر والمفكر أدونيس في كونها “تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها “ص58  . في حين أن أول  تعريف لها في البداية الفصل يمكن أن نتبين فيه حضور أدونيس واهتمامه الفكري والإبداعي بها في  كتابيه زمن الشعر  والثابث والمتحول يقول أدونيس في زمن الشعر ”

لعل خير ما نعرف به الشعر الجديد هو أنه رؤيا .والرؤيا بطبيعتها قفزة خارج المفهومات السائدة ……أن نرى في الكون ما تحجبه عنا الألفة والعادة ،أن نكشف وجه العالم المخبوء ،أن نكتشف علائق خفية وان نستعمل لغة ومجموعة من المشاعر والتداعيات الملائمة للتعبير عن هذا كله تلك هي بعض من مهمات  الشعر الجديد  ….”ص 9

ويقول في الثابت  والمتحول :”والرؤيا إذن كشف .إنها ضربة تزيح كل حاجز ،أو هي نظرة تخترق الواقع إلى ما وراءه .وهذا ما يسميه ابن عربي علم النظرة . وهو يخطر في النفس كلمح البصر . وبما أنه يتم دون كشف ولا روية ،ودون تحليل أو استنباط ،فإنه يجيء بالطبيعة كليا ،لآنه لا تفاصيل فيه . ومن هنا يجيء ،بالتالي ،غامضا .فالغموض ملازم للكشف . ص167 .

إن ما يلاحظ في أحد مباحث هذا الفصل والأمر هنا يتعلق بالمستوى اللغوي هو العلاقة بين المقدمات وما ينتج عنها من خلاصات أو نتائج ،فاعتماد النقاد الثلاث ( تودوروف   وتعريفه للأدب باعتباره نتاجا لغويا ورومان جاكبسون  الذي يدرج الشعر في أبحاثه اللغوية وجان كوهن الذي يرى على أن الشعرية تتبنى مبدأ تفسير اللغة باللغة )  ترك الباحث يخلص إلى القول :”إنه لا يمكن البتة للمحلل في القرن الواحد أن يستغني عن اللسانيات أو يتجاهل مشاكل اللغة ” ص61 وإلى نقيضه لحظة إشارته من جديد إلى التورط في الخطأ المنهجي المتعسف إذ يشير “ذلك أن هؤلاء حين يعمدون إلى أخذ نتائج الدراسات اللسانية المهتمة بالخطاب العادي ويطبقونها على لغة القصيدة يقومون بوعي منهم أو بغير وعي بعملية إسقاطية متعسفة ،لا مخرج منها إلا بالحديث عن العلاقة الاستفادية الممكنة بين الدرسين .”ص62 .

بالوصول إلى الفصل الرابع من الكتاب وهو في نظري زبدته وجوهره نموذج للتطبيق قصيدة مرآة للشاعر عبد الكريم الطبال سيشرع الباحث في عملية التحليل والتي من المفترض أن تكون بدورها إبداعا لا يقل في مستواه عن شعرية النص ،وهنا تكمن أهمية المنهج في كونه بمثابة المرشد والدليل الذي يسمح بترشيد الا قتراب من النص ويتيح إمكانية تذوقه وفهمه وكشف شعريته أو إعلان غيابها ،ويدل هذا بالضرورة على أن المناهج توظف لخدمة النصوص والعكس غير صحيح .

فكيف قدم الباحث الشاعر عبد الكريم الطبال هذه الأيقونة الشعرية المغربية التي ما فتئت تغني المنجز الشعري المغربي بمجموعة من الدواوين الشعري قار ب عددها العشرين ابتداء من الطريق إلى الإنسان 71 مرورا بالأشياء المنكسرة 74 والبستان 88 وعابر سبيل 93 ،وليس آخرها نمنمات وحديقة صغيرة 2015  منذ ستينيات القرن المنصرم وإلى الآن ، مقارنة  من جهة مع ماسمي في السبعينيات بالنقد السياسي الإيديولوجي الذي تزعمه نقاد شباب عهدئذ كعبد القادر الشاوي وإدريس الناقوري ونجيب العوفي وإبراهيم الخطيب ،وما مظاهر الجدة في اجتراحه قصيدة ” مرآة “،وهو يعلن طوال الفصول السابقة تكرار الوقوع في خطأ  التعسف مقارنة من جهة أخرى مع ما كتب حديثا عن الرجل

كما هو الشأن مع  كتاب الناقد عبد اللطيف الوراري ” عبد الكريم الطبال ناسك الجبل ،أو ما صدر عن مؤسسة أصيله بعنوان ” عبد الكريم الطبال /العاشق الصامت ،أو ما كتبه الشاعر والناقد الراحل بنعمارة “الصوفية في الشعر المغربي المعاصر .”.