آخر الأخبار

قراءة في كتاب التجربة و الرؤيا : عبد الكريم الطبال نموذجا لعبد اللطيف سندباد – 4 –

شحيمة عبد الصادق

القراءة النقدية للكتاب :  بصدد التصور المنهجي : عود على بدء

بعيدا عن نقد الإطراء ونقد المناسبات وهي السمة الغالبة على النقد الصحفي سنتتبع ما ورد في القراءة الواصفة السابقة لمضامين ومحتويات الكتاب عبر فصوله الأربعة ، وسنحاول الإمساك بموقف الباحث من مسألة وإشكالية المناهج وبأطروحته التي يدافع عنها وينافح من أجلها .

حرص الباحث منذ الفصل الأول على أن يستهل حديثه وينصب نفسه لإصدار أحكام قيمة يطبعها التعميم من جهة،  وعدم الاستقصاء لدراسات اعتبرت وبإجماع العديد من النقاد رائدة في مجالها ،حيث تم الحديث عن التعسف في الاستعمال والتطبيق وعن النزوات الذاتية والتأويلات العنيفة ،يتساوى في ذلك المناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية واللسانيات البنيوية والمناهج الشكلية ،وما اصطلح عليه الباحث بإقامة استراتيجية التوازن أو التوفيق ،أوما يسميه عبد الفتاح كيليطو بتعددية الحرف .

وبعد استعراضه لهذه المناهج يتابع الباحث أحكامه بما لا يتلاءم وينسجم مع ما يرغب في الوصول إليه ، فهي معيبة لأنها تصدر عن رؤية سابقة في الذهن وسابقة عن المنهج .الأمر الذي لا يستسيغه أي مبتدئ في حقل الممارسة النقدية وهو ما يؤكده نص محمد الجابري الذي استشهد به الباحث واعتقد أنه يحاج بالاعتماد عليه ،إلا أنه وظفه ضدا عليه بدلا من أن يكون لصالحه “كل منهج يصدر عن رؤية ولا بد: إما صراحة أو ضمنا .والوعي بأبعاد الرؤية شرط ضروري لاستعمال المنهج استعمالا سليما مثمرا ….الرؤية تؤطر المنهج ،تحدد له أفقه وأبعاده ،والمنهج يغني الرؤية ويصححها “.ص29

ويستمر الباحث في ما يندرج ضمن ألفبائيات العلاقة بين المناهج وموضوعات تطبيقها حيث يضيف قائلا :”إن مثل هذه المناهج المستندة إلى الجاهز والقابل للاستعمال ،مهما ادعت من الوعي والصحة تظل أسيرة تصور منهجي محدد، وتقنيات إجرائية معينة ،وقواعد مضبوطة من طرف التصور  والتقنيات لأنه لا يمكن التصرف فيها ،بقدر ما يخضع النص لهذا المنهج أو ذاك  “ص29

نسائل الباحث ونحن نأخذ بعين الاعتبار أن خطاب النقد يتبلور في نسق من العلاقات تشمل المنهج والموضوع والمفاهيم والبناء والرؤية وجدل العلاقات فيما بينها من أوحى له بهذا النوع من الدغمائية القائلة أنه لا يمكن التصرف فيها ،فكما لا تكون المواضيع معطاة سلفا لا يكون المنهج جاهزا وناجزا للاستنساخ ،وإنما تبنى العلاقة على نوع من التعديل  بما يشمل المفاهيم والمصطلحات ،وبعبارة موجزة الممارسة النقدية الجادة هي التي تعمل على إعادة بناء جديدة للمنهج باختباره وتعديله وإغنائه .

والملاحظ أنه وبعد الغربلة النقدية السابقة يحتفظ منخل الباحث ويحتفي بالدكتور أحمد الطريسي أعراب ليقول بعد قطع علاقاته بكافة المناهج السابقة ” ومن هذا المنطلق تأتي جدية مساهمة وأعمال أستاذنا الدكتور أحمد الطريسي أعراب لمعاودة النظر في باب المناهج الدراسية المتداولة لدى النقاد والمحللين متسائلين معه عن ماهية المراد بالمنهج ؟ ص29

إن التعريف الذي قدمه الباحث للمنهج اعتمادا على الدكتور الطريسي يوحي بالابتسار والاجتزاء حيث تم الاكتفاء فيه بداية بالوسائل التقنية والأدوات الإجرائية ،في حين أن دلالة مفهوم منهج  تتجاوز الوسائل والأدوات إلى العلاقة بين النظرية والممارسة المنهجية ،حيث يجد أي ناقد في دراسته لموضوع ما نفسه أمام موجهين :الأول يساعده على الوصول إلى الطريق وهو النظرية ،والثاني يساعده إلى الوصول إلى النظرية وهو المنهج ،وهو ما تم تداركه من طرفه اعتمادا على الناقد السابق بالقول :”إن القواعد لا تنشأ في فراغ بل لا بد لها من مادة متمثلة في نص مفرد أو مجموعة من النصوص …… ولكن هذا أيضا لا  يكفي ،بل لا بد أن يكون هذا الاستنباط للقواعد مستجيبا للتصور النظري في الآداب والفنون ” ص29 -30 .