آخر الأخبار

قراءة في كتاب التجربة و الرؤيا : عبد الكريم الطبال نموذجا لعبد اللطيف سندباد – 3 –

تكتمل الرؤيا الشعرية ببناء القصيدة الفني سواء على المستوى اللغوي أو على المستوى الإيقاعي، وبما أن الأدب في مبتدأ الأمر ونهايته نتاج لغوي، يعود الباحث ليؤكد مع أحمد الطريسي ” أن المحلل ملزم بقراءة ما توصل إليه  علماء اللغة في التركيب والصوت والبلاغة ،بمعنى أن الطريق إلى تأويل الخطاب الشعري يمر عبر الأسئلة التي يثيرها علماء اللغة ،وهم فيها مختلفون  “ص61

ويخلص إلى ما خلص إليه في الفصل الأول من أن النزوع إلى المناهج اللغوية وتطبيقها يورط صاحبه خطأ منهجيا متعسفا ، وذلك نظرا لاشتغال اللسانيات على الخطاب العلمي ،والمنهج المستمد منها على الخطاب الشعري .

يضيف الباحث في هذا الإطار أن النقاد يتفقون على التمييز عموما بين لغتين :

لغة الحديث اليومي (اللغة العادية ) ولغة الأدب أو الشعر، هذه الأخيرة أفرزت مفهوم الانزياح كما اعتمد لدى مجموعة من الدارسين يتقدمهم جون كوهن في كتابه بنية اللغة الشعرية ،رغم الاختلاف البين في ما بينهم على مستوى تحديده وضبط دلالته .

وفي ما يتعلق بعلاقة الرؤيا بالصورة يشير الباحث إلى أن الصور الممكن استخلاصها من اللغة ونسيجها  لا تعدو أن تكون : صورا وصفية وصورا إدراكية ،

المستوى الإيقاعي : بعد تمييز الباحث في المستوى الإيقاعي بين الوزن والقافية يخلص إلى أنه لا يمكن الحديث عن تجربة  شعرية بصيغة الجمع .ذلك أن لكل قصيدة تجربتها الفريدة ونمط بنائها اللغوي والإيقاعي المتميز والمتفردص73 ،وبناء عليه يتم تناول الإيقاع وعلاقته بالتجربة انطلاقا من ثلاثة جوانب :الجانب المتعلق بإيقاع الكلمة ،والجانب المتعلق بإيقاع الوزن ،ثم الجانب المتصل بموسيقى القافية .

الفصل الرابع من فصول الكتاب ،عنوانه نموذج التطبيق قصيدة “مرآة ” للشاعر عبد الكريم الطبال يشغل تحليل القصيدة في الكتاب على مستوى الحيز اثني عشرة صفحة من مجموع اثني عشر ومائة صفحة ،يفتتحها الباحث بالقول إن إنجازها من طرف الشاعر تم تبعا لتفاعل عوامل خارجية وحوافز داخلية فجاءت اللغة منها ذات سمات متماسكة ومكثفة وتخييلية . ص83

وللكشف عن نمط بناء القصيدة انطلق الباحث من فضاء عنوانها “مرآة ” حيث تمت الإشارة إلى أن أشعة الرؤيا الشعرية تتركز في هذه العتبة وتتسرب في شتى مناحي القصيدة فتنمو بذلك الصورة الشعرية الإدراكية نموا طبيعيا انسيابيا

وبالنظر إلى مقاطع القصيدة يشير الباحث إلى تكونها من ثلاثة مقاطع شعرية :

المقطع الشعري الأول ينتهي عند السطر الثامن ،والثاني يبتدئ من السطر التاسع إلى الخامس عشر ،في حين أن المقطع الثالث يبدأ من السطر السادس عشر إلى آخر القصيدة .

وعن بنيتها الإيقاعية يقول الباحث “فالصوت المنبثق من تجربة القصيدة يعرف تلوينات معقدة الضبط ،وذبذبات اهتزازية متعددة الاتجاهات ،حيث نجد صوت الحروف والكلمات والقافية يسفل كما يبدو ذلك من كلمات “فرسي ،سحابات ،الشمس ،صهوته …”وتارة يعلو كقوله “الطفل ،العاشق ،يصهل ،يسأله …” وتارة أخرى ثابثا كقوله ” الصحراء ،الأول ،المرآة ،أحلم ” ص85 .

وضمن بنية القصيدة الإيقاعية يعرج الكاتب على التشكيل الصوتي في القصيدة فيضيف قائلا:” إن التشكيل الصوتي في القصيدة بمراهنته على هذه المراوحة المتلونة النغمات ،يثير المتلقي ،ويستفزه إلى درجة التحير من أمر إيقاع الشاعر ،بما هو إيقاع غير خاضع لضوابط محددة ومعايير يمكن الاعتماد عليها من خارج النص أو من مرجعيات إيقاعية متداولة .”

وبصدد الوقفات تتم الإشارة إلى تدفق الوقفة العروضية والدلالية والنحوية عبر استرسال تلقائي يخضع للحالة النفسية التي يعيشها الشاعر

موسيقى القافية تشهد هي الأخرى تلونا مستمرا فهي ليست حبيسة أشكال صوتية معينة ،بل تصاحب ماهية التجربة ،وتنتشي بتغيراتها الصوتية والتطريبية ،يقول الباحث :”وهذا بالضبط ما يجعل الباحث يبذل الجهد والعرق لرصد موسيقى القافية في القصيدة ،والتي تظل في نهاية المطاف أفقا مفتوح التأمل والكشف عن الدفين من الخصائص والسمات الصوتية ،والتي قد تتمنع على كثير من المحللين ودارسي بنية ووظيفة الإيقاع قي القصائد الخالدة .”ص87

وعن لغة القصيدة وبعد الوقوف على دلالات الأربعة أسطر من مقطعها الأول وتحديد رمزية الصحراء باعتبارها حصارا ضرب على الإنسان في كل الأزمنة والأمكنة يتم الانتقال في المقطع الثاني لتحليل الصور الشعرية والتي ورد في مقاربتها قول الباحث :”فالصورة البلاغية المبنية على التقريب بين الشيئين المتباعدين لعلاقة “المشابهة “أو “المجاورة “تقل في القصيدة وتنذر لبعث صور شعرية إدراكية في العمق ،وقائمة على الرمز المفرد غير المحيل على شيء محدد ،ولا إلى فكرة مبيتة وإنما هو مولود حيوي من رحم السياق العام الذي تتحرك في ضوئه تجربة الشاعر “ص93

وقوله كذلك :”حيث تأخذ الصورة الشعرية بهذا الامتداد البصري ،وما تختزنه من قوة إخفاء معالم السابق من النماذج الشعرية …..شكلا استداريا لولبيا في القصيدة ،تماما كما هو في المقطع الأول “ص94 .