آخر الأخبار

أثر شعر الملحون في الأغنية المغربية – 3 –

بقلم زايد وهنا 

لقد عمل هؤلاء الفطاحل من الملحنين على تطوير وصياغة الأغنية المغربية، فاختاروا لها أصواتا ندية وحناجر صادحة من خيرة ما جاد به زمان الفن الراقي، حتى لقبوا برواد الأغنية من أمثال: فتح الله المغاري – المعطي بلقاسم – ابراهيم العلمي – اسماعيل احمد – عبد الوهاب الدكالي – عبد الهادي بلخياط – محمد الحياني – بهيجة ادريس – عزيزة جلال – فاطمة مقدادي – لطيفة رأفت..

هنا ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح وهو علاقة شعر الملحون بكل ما ذكرنا والإجابة ببساطة هي أن هذا الجيل من الرواد سواء الشعراء منهم أي واضعوا الكلمات أو الملحنين أو المغنيين كلهم تخرجوا من مدرسة شعر الملحون أي أنهم كانوا على إطلاع كبير به وبغيره من الفنون الغنائية الراقية آنذاك مما انعكس إيجابا على أعمالهم الفنية فأضفت عليها الجمالية ورقة الحس وروعة النبرة، ولا غرو في هذا إذ أن أغلبهم كانوا ينحدرون من أسر عريقة في الفن تعودت على سماع الغناء الراقي من مشاربه الأساسية سواء كان شعر ملحون أو طرب أندلسي، أو أغاني شرقية، فكانوا في شبابهم مقلدين لغيرهم مما صقل لديهم الموهبة وسهل عليهم ولوج عالم الغناء وهم على مسكة عظيمة مما يحملونه من رصيد فني لا يستهان به.

إذا تصفحنا أشعار هذه الأغاني الخالدة نجدها لا تبتعد عن شعر الملحون فعلى مستوى المضمون مثلا: نلاحظ أن الأغراض التي تطرق إليها شعر الملحون نلمسها في الزجل المغنى، ولعل الأغاني الدينية أقوى مثال على ذلك فأغنية ” محمد صاحب الشفاعة ” للمرحوم اسماعيل احمد. أو أغنية ” من ضي بهاك ” للمرحوم محمد الحياني أو أغنية ” يا قاطعين لجبال ” لعبد الهادي بلخياط ، كلها مستوحاة من غرض المديح الديني في فن الملحون، نفس الشيء بالنسبة للأغاني الوطنية فقد استمدت مادتها الحماسية والاعتزاز بالوطن والفخر بالانتماء له وتحصينه من كل بأس، إلى شعر الملحون الذي جادت به قرائح الشعراء إبان الاستعمار فكان شعر مقاومة ودرء للمعتدين، كما نجد كذلك شعر المناجاة فإذا كان الناظم محمد الشريف بنعلي، يناجي الشمعة في قصيدة من روائع فن الملحون فإن الأستاذ علي حداني يناجي الجرح في أغنية ” جريت أوجريت،” التي تغنيها نعيمة سميح أما فن العتاب فحدث ولا حرج، استمع إلى الناظم امبارك السوسي يعاتب المحبوب في أغنية ” طال تيهانك يا محبوبي ” وقارنه بعتاب ابراهيم العلمي في أغنية ” هذا اشحال ” أو المعطي بلقاسم في أغنية ” علاش يا غزالي ” أما على المستوى البلاغي فشعر الملحون جميل بالمحسنات البديعية والبيانية ونلاحظ أن أغاني الرواد لا تخلو من تلك الصيغ البلاغية.
أما إذا نظرنا إلى الكلمة المجردة، فكلمات الزجل المغنى هي نفس كلمات شعر الملحون لأن العامية المغربية موحدة في أغانيها: ” عشراني لا تلموني،” ” هذا اشحال،” إذن هناك ارتباط وثيق بين شعر الملحون وكلمات الأغاني المغربية، وأقصد دائما أغاني تلك الفترة الذهبية.ولا يفوتني أن استحضر هنا دور المجموعات الغنائية التي ظهرت مع بداية السبعينيات وأقصد بالذكر مجموعة ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب في احياء فن الملحون، وتقديمه في حلة جديدة خصوصا مع مجموعة جيل جيلالة حيث تم تخفيف إيقاعه وتحبيبه إلى أولئك الذين كانوا يشتكون من طول قصيدة الملحون ومن إيقاعها البطيء،  فأزالوا باجتهاد منهم تلك الرتابة والملل الذي كان الشباب يشعرون به، فأقبلوا عليه في حلة جديدة واستعملوا كلماته، في حين تمسك أخرون بالأداء التقليدي المعروف للقصيدة وأقبلوا على سماعه من قبل نشادة بارعين وعلى رأسهم الحاج الحسين التولالي الذي لا أظن أن الزمان قد يجود بمثل هذا الرجل في فن الإنشاد.
ختاما أقول أنه كلما كان الفنان على اطلاع واسع بالفنون الراقية إلا و أنتج فنا راقيا ، فهو أشبه بالنحلة لا تقع إلا على طيب و لا تعطي إلا طيبا .