آخر الأخبار

أثر شعر الملحون في الأغنية المغربية – 2 –

بقلم زايد وهنا

إذن بعد هذه الإشارة الطفيفة إلى هذين المشربين ننتقل إلى المشرب الأساسي والينبوع المتدفق ألا وهو شعر الملحون وعلاقته بالأغنية المغربية، من المعلوم أن شعر الملحون يعتبر ديوان المغاربة وذاكرتهم الشعبية، وهو فن قديم في المغرب، ولا تجد منطقة تخلو من هذا النوع، حيث كان شاعر الملحون الناظم هو لسان حال قومه والمعبر عن آلامهم وآمالهم في جميع الأغراض وما أكثرها وأجملها في شعر الملحون، كالمداحيات والمصليات والحزريات والورشانيات والجفريات والتوسلات والمسليات والعشاقيات والخمريات والمراسلات والغزوات والسير الذاتية والحكم والتراجم والزهد وغيرها، قد انتشر شعر الملحون انتشارا سريعا في جميع مناطق المغرب، بل وحتى خارجه إلى المناطق المجاورة، وهذا راجع لعدة أسباب منها: شعراء الملحون كان أغلبهم وخصوصا القدامى منهم متصوفة وزهاد يكثرون من الترحال والتجوال، فلا يطول بهم المقام في مكان حتى يبرحونه إلى آخر ولا يمكثون كثيرا بزاوية حتى يغادرونها إلى أخرى، إما طلبا للرزق أو التتلمذ والاستزادة في علم الموهوب على يد أشياخ آخرين كما أن بعضهم اضطرتهم الظروف السياسية والاجتماعية لمغادرة موطنهم الأصلي وهكذا تيسر انتشار شعرهم كما ساهم الحفظة في توسيع نطاقه بما كانوا يرددون من القصائد وسط حلقات كما هو الشأن في جامع الفنا أو البطحاء في فاس أو في الحدائق والعراسي ولم يقتصر الأمر على هذا بل منهم من كان يسترزق بهذا المنتوج حيث يطوف القرى والمدن ويردد القصائد على أبواب المتاجر والبيوت طلبا للصدقة والمعونة، فتوارثت القصائد بين الناس وأصبحت تردد في المناسبات وهذه الميزة نلحظها بإقليم الرشيدية قديما حيث أن المطربين يقضون ليلة العرس في إنشاد قصائد من شعر الملحون، ولعل هذه كلها عوامل كفيلة لانتشار شعر الملحون، فلقي إقبالا من لدن الناس وأصبحوا يتذوقونه أكثر من أي لون آخر وظهر شعراء آخرون في فترة ما قبل الاستقلال ونهلوا من شعر الملحون وتشبعوا به وفاضت أقلامهم زجلا راقيا، ويعتبر الأستاذ الجليل السيد أحمد سهوم رحمه الله أحد فطاحلهم، وهكذا نخلص إلى أن شعر الملحون هو المهد الذي ترعرع فيه شعراء الزجل وكان له أثر في ظهور مجموعة من الزجالين المرموقين الذين أثروا الأغنية المغربية إما على مستوى القصيدة الفصيحة كأمثال:

علال الفاسي – عبد الهادي التازي – محمد بنونة – محمد البوعناني – محمد الغربي – عبد الرفيع الجوهري – علال الخياري وغيرهم كثير …
وفي الزجل ظهر شعراء بارعون من أمثال:
البشير لعلج – محمد الطيب لعلج – عبد الرحمان العلمي – حمادي التونسي – العربي بنبركة – الطاهر سباطة – فتح الله المغاري – علي حداني – مصطفى بغداد، وغيرهم ممن طوروا العامية المغربية وارتقوا بها إلى مستوى لغة إبداعية جميلة، أضفت على القصيدة والأغنية روعة وبهاء وأطربت الناس وآنست وحشتهم وعبرت عن همومهم فبقيت خالدة ونذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: الشاطئ – القمر الأحمر – راحلة – الأمس القريب – حبيبي تعال – حبيبي لما عاد – واحة العمر – يا صاحب الصولة والصولجان – وأغانى زجلية لا تقل روعة من مثل: كاس البلار- في قلبي جرح قديم – يا الغادي فالطوموبيل – هذا شحال – علاش يا غزالي – بارد وسخون يا هوى – سولت عليك العود والناي – جريت وجاريت وغيرها كثير …
إذا كان هؤلاء هم واضعوا كلمات هذه الأغاني الخالدة فإن روعتها وجماليتها كملت بتلحينها من قبل عباقرة الألحان من أمثال أحمد البيضاوي –  عبد السلام عامر – عبد الرحيم السقاط – عبد الوهاب أڭومي – ومحمد بن عبد السلام – عبد القادر راشدي – عباس الخياطي – محمد بلخياط – عبد الله عصامي – عبد الرفيع الشنقيطي – عبد العاطي امنا – حسن القدمير – أحمد العلوي – عز الدين منتصر – عبد القادر وهبي، واللائحة طويلة …