آخر الأخبار

الانتخابات الأمريكية

تتبعت المسلسل الانتخابي الامريكي لحظة بلحظة خلال الايام الاخيرة، وتتبعت ايضا النقاشات الامريكية-الامريكية حول الاستحقاق الرئاسي الذي غطى على الاستحقاقات الاخرى التي لاتقل اهمية بالنسبة للنظام الديمقراطي الامريكي.
والحقيقة انني تعلمت الكثير، وان كان تعلمي لايفيدني بشئ في نهاية المطاف، وتاكدت ان الديمقراطية الامريكية تبقى كبيرة وراسخة وان الشعب الامريكي الذي يروج عنه الاوروبيون وغيرهم كلاما لامعنى له يبقى شعبا حيا وحيويا كما تعكس ذلك نسبة المشاركة التي تجاوزت 67% في انتخابات استثنائية التي عكست بدورها تعبئة عالية في صفوف الديمقراطيين، الذين يمثلون الوسط و اليسار الامريكي، والجمهوريين، الذين يمثلون المحافظين واليمين الامريكي، لحسم معركة جعلتها شخصية ترامب تاخذ منحى غير مسبوق.
ويتمثل اهم درس تعلمته في كون المعارك السياسية الصدامية والحملات الدعائية والاعلانية والاعلامية وقت الانتخابات تبقى ذات تاثير محدود على راي واختيار الناخبين، حتى في انتخابات ساخنة، ولا تغير ميزان القوى، وانما الذي يغير، او يحافظ ايضا على توازنات قائمة ومرغوب في الحفاظ عليها، هو العمل بنفس طويل على تغيير عادات الناس على المدى الطويل، وهذا ما وعاه واشتغل عليه يسار الحزب الديمقراطي، الذي بات له ثقل في هذا الحزب وتاثير على توجهاته واختياراته، بحيث خلق رايا عاما مناهضا لليبرالية المتوحشة التي نجح المحافظون في ترسيخها مند سبعينات القرن الماضي بفضل عمل ايديولوجي ودعائي وغيره كيف عادات الامريكيين على نطاق واسع وانساهم في السياسات الكينزية التي ادت الى الرفاه الذي بلغوه بعد الحرب العالمية الثانية.
ويمكن القول ان الاسلاميين قد ساروا على نهج المحافظين الامريكيين في نفس الفترة، بحيث استهدفوا عادات المغاربة وعملوا على تغييرها، بداية بتغيير نمط تدينهم وجعله يسلك مسلكا وهابيا واخوانيا شرقيا، وهذا ما اكده بنكيران نفسه لدى استعراض تجربة جماعته في احد لقاءاته مع شبيبة حزبه، وكانت النتيجة مانراه اليوم من تراجع الاسلام المغربي ذي النفحة الصوفية المتسامحة امام التدين على الطريقة الشرقية الصدامية والطائفية التي تجعل التكفير سهلا، ومانراه من تحول في عادات المغاربة وميلهم الى ماهو رجعي ونكوصي بعدما كانوا الى حدود بداية سبعينات القرن الماضي، وفي ظل امية متفشية انذاك، ينشدون التقدم والرقي ويعملون ما في وسعهم لتجاوز البداوة والتخلف.
ومن المؤسف اننا هنا في المغرب افتقدنا مند تسعينات القرن الماضي يسارا له نفس توجه ونفس وصمود اصدقاء بيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وافتقدنا مثقفين وباحثين منخرطين في المعركة الفكرية والايديولوجية والمجتمعية من امثال كوغمان واستيغلتز، الحائزين على نوبل للاقتصاد، اوغيرهما، بل ان اليسار المغربي فقد كثيرا من مثقفيه بعد حكومة التناوب وكان مثيرا جدا ان من دخلوا الى الحكومة او الى مواقع مسؤولية يفقدون القدرة على العودة الى المعارضة وحتى على الانخراط في الصراع الفكري والايديولوجي مع قوى الظلام والرجعية، لذلك وجد الاسلاميون والى الان، ورغم كل شئ، انفسهم لوحدهم في الساحة يتحكمون في عادات قطاع واسع من المغاربة ويوجهونها نحو الوجهة التي تخذم مصالحهم بكثير من البراغماتية، ووجدت الدولة، التي كانت سندا لهم، نفسها في منافسة معهم و تبحث عمن يجنبها الاصطدام بهم باستعمال ادوات مهترئة جربت استعمالها فيما سبق في مواجهة اليسار.
والبين اليوم ان اليسار قد تمكن منه من بقوا سجناء ماض، فيه الواقعي والمتخيل، او من لا يهمهم ان يحولوه الى قوة مجتمعية مستقبلية وانما يهمهم اشخاصهم ونرجسيتهم ومن يميلون اصلا الى العيش في القوقعة بعيدا عمن يزعمون انهم يناضلون من اجل تغيير واقعهم ورفع الظلم عنهم. فقد تغيرت عادات اليسار واليساريين لانهم لم يستطيعوا تغيير عادات المغاربة. انهم يشخصون ماكان فيلم ايتوري سكولا : كم تحاببنا قد قدمه في اطار سردية ايطالية.

محمد نجيب كومينة / الرباط