آخر الأخبار

منصات التواصل الاجتماعي و التضليل الإعلامي

مما لا شك فيه أن وسائل التواصل على اختلافها، أو ما يمكن أن يطلق عليه البعض أحياناً الإعلام البديل، شكلت نقلة نوعية كبيرة في مجال التواصل بين الناس، وتبادل المعلومات، لدرجة باتت تسيطر فيها حسب الكثير من الخبراء على أكثر من سبعين في المئة من سوق الإعلام والاتصال عالمياً. وهذا راجع لقدرتها على إمكانية تحقيق التواصل بين البشر بسهولة ويسر، ومن دون أي قيود، ناهيك عن أن انتشارها عبر العالم وسهولة استعمالها، وقدرتها المذهلة على نقل محتوى أي رسالة سواء بالصوت أو الصورة، وسرعتها في نقل المعلومة إلى أي مكان في العالم، بسبب التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات، مما جعل من وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان منافساً فعلياً للعديد من منصات الإعلام في العالم، فكانت منبرً من لا منبر له. إلا أن أحداً لا يمكنه أن ينكر أن بعض الاستخدامات الخاطئة لهذه الوسائل، شكلت مخاطر جمة، على المجتمع، لتصبح بسبب سوء استعمال البعض لها سلاحاً ذا حدين.

يتلقّى مستخدم الأنترنت عامة، ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص يوميًا كمًّا هائلاً من المعطيات والمعلومات والأخبار المتدفقة باستمرار وتكون أحيانًا غير دقيقة، فتدخل حيّز ما يعرف بالتضليل الإعلامي عندما يتم تقاسمهاعن قصد للإضرار بالغير، أو المعلومات الخاطئة والكاذبة، التي يتم اقتسامها، ولكن دون قصد التسبب بالضرر. فأصبحت هذه الظاهرة، ولما لها من خطورة، ظاهرة تستوجب الدراسة من ناحية تفاعل المواطنين عبر كل ما يكتب وينشر ويتم تداوله بها، وأصبح من الضروري لفت الانتباه لخطر تداول الأخبار بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح كل ساكنة المعمور تستعملها وتتخذها مصدرا لتلقي الأخبار، ولما لها من تأثير أحيانا، حتى على نتائج الانتخابات بالعالم بأسره. فبمجرد ما يتوصل الواحد بخبرما، مقروء أو مسموع أو مرئي، وقبل الاطلاع عليه بالكامل، ودون التحقق والتيقن من مصدره وحقيقته ، يقوم بحسن أو سوء نية بتوزيع واقتسام الخبر عبر تقنيات التواصل الاجتماعي لما تتميز به هذه المواقع من مرونة وسهولة ومجانية في النشر ولا يتطلب الأمر سوى الضغط على زر ‘‘أنشر‘‘ أو ‘‘مشاركة‘،، فينتشرالخبر كالنار في الهشيم ليصل، في بضع ثوان،  كافة بقاع المعمور ، وقد تنتج عن تداوله عواقب خطيرة ومدمرة أحيانا، ومن خلال التعامل مع هذه المنصات والاطلاع على محتوياتها، فغالبا ما يتم ترويج الخبر الكاذب أو الزائف أو المضلل لدوافع إيديولوجية أوسياسية أواقتصادية… إلخ.

قضية عدم التحري أو التدقيق في صحة الخبر، لا تقتصر على المواطن العادي، بل تتعداه للجسم الإعلامي، الذي أصبح يعتمد مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر كبير وهام لتلقي الأخبار، وفي إطار مايصطلح عليه ب ‘‘السبق الصحفي‘‘، يساهم بعض العاملين في قطاع الإعلام، في نشر مثل هذه الأخبار والمواد. وقد تعيدها بعض المواقع الخادعة أو الجرائد الصفراء العديمة الضمير، فتتلاعب بها كما لو كانت حقائق مثبتة، سعيا وراء كسب مادي أو للإضرار بشخص أو جهة ما، وفي حالة صدور بيان تكذيب للخبر أو استنكار لما تضمنه من افتراء أو كذب، يبادر محرر الخبر، وبشكل محتشم، لكتابة تصويب أو تقديم اعتذار، مما قد يفقد أحيانا مصداقية المؤسسة التي يشتغل لحسابها. ومما يحز في النفس، أننا أصبحنا نرى بعض العاملين بحقل الصحافة والإعلام، وقد أصبح متخصصا في ترويج الأساطير واختيار العناوين المثيرة  لها، خدمة لجهات معينة أو للتأثير على الرأي العام أو لجلب واستقطاب العدد الأكبر من القراء أو الربح المادي من خلال كم النقرات التي تولدها.

ومما ساعد في انتشار الظاهرة أيضا،  أن الكثير من الشباب في الدول العربية يثقون بالمعلومات التي يتلقونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لقد شمل استطلاع أجري في أواخر عام 2018 وبداية عام 2019، أكثر من 25 ألف شخص في عشر دول هي مصر، المغرب، لبنان، العراق، السودان، اليمن، الجزائر، تونس، ليبيا، الأردن والأراضي الفلسطينية. وأشار الاستطلاع إلى أن أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت في تلك الدول يرون مواقع التواصل الاجتماعي محلا للثقة كمصدر أخبار.

وبحسب نتائج الدراسة الاستطلاعية، تصل نسبة من يمنحون كامل الثقة في ما ينشر عبر منصات التواصل الاجتماعي من أخبار ومعلومات إلى قرابة 77 بالمئة في بعض البلاد العربية وغالبيتهم من جيل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاما، والذين يمكن اعتبارهم وسيلة لإنعاش سوق الأخبار الكاذبة والمزيفة المنتشرة عبر هذه المنصات. وهذا ما دفع ببعض الجهات المهتمة للتحذير من خطر منصات التواصل الاجتماعي، وإدانتها، فاعتبرتها حاضنة للتضليل الإعلامي، وأنشأت لهذا الغرض منصات ترصد الأخبار الكاذبة والمزيفة والمضللة، وتبين عوارها بكافة الطرق المختلفة المتاحة لها، فتأتي بالخبر أو الصورة الصحيحين وتقارن بينهما.

للتصدي لآفة الأخبار الكاذبة والمزيفة وللتضليل الإعلامي، يجب ألا تتخذ الحكومات وقف الأخبار الكاذبة ذريعة للحرب على حرية التعبير ومحاولة إيقاف المسار الديمقراطي، بل يجب:

 

التركيز على التوعية والتثقيف لأفراد المجتمع ، والتعريف بالمحتويات الإعلامية الكاذبة والتضليلية وإكسابهم مهارات التحليل الناقد وذلك في ضوء ما يشهده العالم من تنامي ظاهرة العبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبث الرسائل السلبية والمغرضة. 

 

-تأهيل الطلبة للتعامل مع الرسائل والمحتويات المتنوعة التي تقدمها تلك المواقع بشكل علمي مدروس ينأى بهم عما قد تحمله من مضامين سلبية تنال من وعيهم واستقرار مجتمعهم، وتمكينهم من مواجهة سيل المعلومات المتدفقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتميز بين الغث والسمين، والجيد والرديء..

 

– على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إدراك حقيقة أن الأخبار الكاذبة تنتشر بسرعة وتحرز إعجابات كثيرة، لذا عليهم توخي الحذر المضاعف عند رغبتهم في نشر خبر كثرت عليه التعليقات وعلامات الإعجاب “لايك”.

حين نتيقن من خبر كاذبً، علينا أن ننبه الآخرين لذلك، ومجرد الامتناع عن نشر الخبر لا يكفي، إذ يجب أن نكون فاعلين في التعامل لوقف انتشار وباء الأخبار الكاذبة.

 رفع الوعي لدى المواطن في مجال الاستعمال السليم لتكنولوجيا الاتصال، بالتحقق من جميع التطبيقات الرقمية و كيفية التعامل مع المعلومة المتاحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

عبدالرزاق الحــيــحي /   مراكش