آخر الأخبار

السي محمد فكري يكتب عن معتقل درب مولاي الشريف – 8 –

إن وجودي في السجن لا يعني بالضرورة حرماني من الحياة، إن حياتي لها عدة معان
الشهيدة سعيدة المنبهي

من عذاب مخفر درب مولاي الشريف إلى عذاب غبيلة 8
٠٠٠٠
بعد كتابة المحاضر وطبخ التهم وتكييفها، أخبرنا قدور اليوسفي أننا سننقل للسجن، وقد استبشرنا خيرا بهذا لأننا أخيرا ستبصر أعيننا ضوء النهار وربما تستدفئ أجسادنا بأشعة الشمس التى كدنا ننسي شكلها ولذة دفئها. وأخذنا نتخيل شكل عيوننا وردة فعلها، حين تقع على ضوء النهار وتواجه أشعة الشمس لأول مرة، بعد أن حرمنا منها لما يقرب من سنة.
في إحدى الصباحات حلقوا لنا شعر رؤوسنا التي كانت مرتعا للقمل يسرح فيها على هواه، ثم بعد ذلك سلموا لنا الملابس التي كنا نرتديها حين اختطافنا، وقد كنت أرتدي قميصا إشتراه أحد الرفاق من سوق الملابس المستعملة شبيه لما يردتيه الجنود، وبسببه أكلت “طرحة عصا” وسب وشتم وأسئلة عن مصدر هذا القميص ومن أين أتيت به، ولم يريدوا الاقتناع بما قلته، ربما كانوا يظنون، أو يعتقدون، أنني أنتمي لخلية عسكرية. وعلى ذكر ما حدث لي مع القميص العسكري، أتذكر في بداية تواجدنا بالدرب أتوا في أحد الصباحات، أو الليالي، فلا فرق لدينا بينهما، وبدأوا في جمع أنواع من الأحذية وأخذ أصحابها لاستجوابهم والتحقيق معهم حول مصدرها ومن أين اقتنوها.
في ذلك الوقت إنتشر نوع من الأحذية خفيفة وعملية، تتشابه في اللون والشكل (الدان)، بالصدفة كان عند العديد من الرفاق المختطفين هذا الحذاء. وربما ظنوا، أو شبِّه لهم، أنه ليس صدفة أن يكون هذا العدد من الناس ينتعلون نفس الحذاء شكلا ولونا.
أغلق هذا القوس، وأعود لأقول، سلمونا ملابسنا وشحنونا في سياراتهم ووجدنا أنقسنا في قبو محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مكثنا هناك لساعات تم أخذونا وأدخلنا لأحد المكاتب وجدنا شخصا جالسا وراء مكتبه وأمامه أكواما من الملفات، بادرنا بالقول أنتم الآن أمام قاضي التحقيق، اطمئنوا ولا تخافوا. وبدأ في سرد التهم: أنت فلان الفلاني، متهم بمحاولة قلب النظام، والمس بالأمن الداخلي للدولة، وتكوين جمعيات سرية هي: 23 مارس، ولنخدم الشعب، وإلى الأمام، وطبع وتوزيع منشورات من شأنها الإخلال بالأمن العام.
الحقيقة أقول، صدمت بهذه التهم الثقيلة وساورتني الشكوك بأن الذي قرأ علي هذه التهم هو فعلا قاضي تحقيق همه الوصول للحقيقة، لقد اكتفى بسرد التهم الثقيلة ولم يكن يهتم بمعرفة الجواب أو تحري الحقيقة.
من هنا أخذنا لسجن غبيلة، وللعلم فغبيلة إسم مقبرة، على ما أظن.
كنا نتوهم أن المعاملة في السجن ستختلف، شكلا على الأقل، على ما كانت عليه في الدرب، ولكن سرعان ما تبدد هذا الوهم حين وجدنا في استقبالنا رئيس حراس الحي الذي سنقيم فيه والذي يسمونه، ويا للغرابة، الحي الأوربي، هذا الشخص إسمه العاود، ضخم الجثة طويل القامة يمضغ الكلمات مما يجعل فهم ما يتفوه به صعبا، ومعه رئيس الحراس إسمه الصبان، من لهجته فهمنا أنه مراكشي. كان هاذان الشخصان يزعقان بصوت مرتفع قصد إثارة الرعب في أنفسنا وللتدليل أن لا فرق بين مخفر درب مولاي الشريف وسجن غبيلة في طريقة المعاملة.. نحن في الحقيقة قابلنا طريقة استقبالهم بالابتسامة والسخرية. كان أحد رفاقنا يحمل في يديه مصحفا سلم له في الدرب، ولما رآه العاود خطفه منه بطريقة همجية وبزعيق شبيه بصوت الذيب، بما مفاده أننا هنا لا حرمة لدينا لأحد سواء حمل في يديه قرءانا أو أنجيلا أو زبورا أو أي شيء آخر.
قالوا لنا الآن ستذهبون للحمام واعتقدنا أنهم يريدوننا أن ننظف أجسادنا من وسخ مخفر درب مولاي الشريف، ولكنهم دخلوا معنا لما سموه حماما وطلبوا منا إزالة ملابسنا ففعلنا واحتفظنا بما يستر العورة، فزعق العاود “حيدو كل شي حتى السليب”. ظنا منهم أنهم سيهزموننا ويجعلوننا نفقد الثقة بأنفسنا، والعكس هو الذي حدث، هذه المعاملة الهمجية زادتنا إصرارا على المقاومة وعدم الاستسلام.
من هنا سأبدأ يوميات غبيلة.