آخر الأخبار

16 نونبر 1955 : من أجل ميثاق وطني سياسي واجتماعي جديد

جليل طليمات 

سبعة عقود مرت بالتمام والكمال على نهاية عهد الحماية الفرنسية وعودة الملك الراحل محمد الخامس من منفاه إلى عرشه بعد مفاوضات شاقة مع سلطات الحماية التي ظلت تناور طويلا بهدف الالتفاف على مطالب الحركة الوطنية , وعلى اتفاقات مؤتمر إيكس ليبان بخصوص عودة الملك إلى عرشه أولا.
لقد أوضح عبد الرحيم بوعبيد في مذكراته الدور الكبير والمؤثر للمقاومة وجيش التحرير ,ودور التضامن المغاربي في الضغط على الحكومة الفرنسية خاصة بعد انطلاق عمليات جيش التحرير في اكتوبر 1955 إذ ” شكل حدثا حاسما , فإذاك رأى الحكام الفرنسيون في الأمر خطرا حقيقيا يهدد مواقعهم ليس فقط في المغرب , بل في الجزائر كذلك ” ( ع الرحيم بوعبيد _ شهادات وتأملات ص 155) .

في سياق هذا المد الكفاحي المسلح على صعيد مغاربي , صدر في “لا سيل كلو” يوم 6 نوفمبر 1955 البيان الفرنسي المغربي الذي أعلن بوضوح عن إلغاء معاهدة الحماية , والتزام فرنسا ” إزاء العاهل المغربي بفتح ” مفاوضات” ترمي إلى أن يصبح المغرب دولة مستقلة , تربطه بفرنسا علاقات دائمة من الترابط المتبادل الحر ” ص 172 _ الوثيقة 3 ص 247 ) وبذلك استعاد المغرب سيادته الوطنية , وعاد الملك محمد الخامس يوم 16 نوفمبر 1955 من المنفى إلى الرباط في مشهد وطني شعبي تاريخي ” لا ينسى في تاريخ الأمة المغربية , ففيه كان محمد الخامس الملك الوحيد الذي نصب وقدس بالاقتراع الشعبي المباشر.” (ص 177).
فهل حققت نهاية الحماية الاستعمارية تطلعات المغاربة وانتظارا تهم من الاستقلال ؟
يبرز عبد الرحيم بوعبيد، لا كشاهد فقط ,بل كأحد صناع حدث 16 نونبر التاريخي ” أنه بعد الأيام المجنونة والأمل المفرط ، تأتي الأوقات العصيبة لحصيلة سنوات مديدة من الكفاح . لقد تم احترام الميثاق ، العهد الوطني الذي عقده الملك والحركة الوطنية ، فاستعادت البلاد كرامتها بتكسيرها لأغلال التبعية الاستعمارية ، واستعادت مكانتها في محفل الأمم الحرة وذات السيادة ، غير ان الجانب الآخر من الميثاق المتعلق بدمقرطة المؤسسات كان لا يزال ينتظر التحقيق ، وفقدت الاندفاعة من أجل بناء مغرب جديد ، في عالم جديد ، فكان أن أفسدت السياسة الروحانيات وغطت عليها ” ثم يتساءل بمرارة :” هل كانت تلك وقتها “خيانة النخب ؟ ” على كل ، في الوقت الذي نفكر فيه بهذه الطريقة لابد أن نقر بهذا الواقع : الغد لا يفي دوما بالوعود التي قدمها الأمس ” (ص 177) , ولأنه لم يف بوعوده تدحرج الوضع السياسي العام في السنوات الأولى للاستقلال في اتجاه بناء أسس الحكم المطلق ,وعلى مدى عقود من سطوته أدت البلاد أثمانا باهضة في كل المجالات التنموية منها والاجتماعية والسياسية , وشهدت أقسى سنوات مصادرة الحريات الفردية والجماعية بالحديد والنار, وذلك بسبب تأجيل والتلاعب بشق الميثاق الوطني الذي عقدته الحركة الوطنية مع الملك الراحل محمد الخامس المتعلق بدمقرطة مؤسسات النظام السياسي .

2
اليوم , وبعد سبعة عقود على إلغاء معاهدة الحماية , والحصول الاستقلال في ثاني مارس 1956 , يمكن تسجيل , دون تمجيد للحاضر ولا تبخيس للمكتسبات, إيجابية الانجازات المحققة سواء في معركة تثبيت الوحدة الترابية للبلاد حيث تم نيل الاعتراف الأممي بالسيادة الوطنية على الصحراء المسترجعة , أوفي مجال التنمية والتحديث ( المادي هنا ), أوفي مجال الحريات وحقوق الانسان برغم انتكاساته في كثير من المحطات واستمرار هيمنة المقاربة الأمنية في التعاطي مع الحراكات الاجتماعية الاحتجاجية السلمية إلا أن ذلك لم يؤسس لسياق سياسي مغاير يضمن شروط البناء الديمقراطي والمؤسسي السليم , والانتقال بالتالي من الديمقراطية الشكلية إلى ديمقراطية فعلية تعكس التعددية السياسية الحقيقية , وتقوم على فصل فعلي بين السلط , وعلى تحصين حقوق الانسان بضمانات قانونية واحترام الحريات الفردية والجماعية ,¸وحماية الحقوق الاجتماعية لقوى المجتمع المنتجة ..
إن ” لنخب الحاضر” مسؤولية كبرى في مواصلة نضال نخب الأمس وتمثل قيمها النضالية من أجل استكمال وثيقة الميثاق الوطني بالبناء الديمقراطي والمؤسساتي ,وترشيد مسلسله, وتوجيهه نحو تجاوز عوائق بناء دولة وطنية حديثة مسنودة بالشرعية الديمقراطية ., وفي هذا السياق , أليس مطلوبا , بعد سبعين سنة على الاستقلال, الانكباب الجماعي لمكونات المجال السياسي ونخب الحقل الثقافي على صياغة ميثاق وطني جديد (أو محين ), سياسي واجتماعي بين الدولة والمجتمع للتعبئة من أجل مواجهة تحديات الحاضر ورهانات الغد ؟ ولعل من المكوناته الجوهرية لهذا الميثاق الأولويات التالية ,الحاسمة في أي تقدم على طريق الوحدة والتنمية والدمقرطة الشاملة :
_التعبئة الشاملة من أجل ربح رهان الإغلاق النهائي لموضوع السيادة الوطنية على الأراضي المغربية المجتزأة في الحقبة الاستعمارية , شمالا وجنوبا وشرقا, وتقع في قلب هذه المهمة الوطنية راهنا , التدبير الدقيق والعقلاني لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المسترجعة “داخل السيادة المغربية ” كما أقر ذلك المنتظم الدولي في 31 أكتوبر 2025.
_تفكيك منظومة الريع وشبكاتها الفاسدة باعتباره مكونا بنيويا معيقا لنمو الاقتصاد الوطني , ولمردود يته التنموية الاجتماعية المطلوبة .ولأجل ذلك , تبدو ضرورة إعادة الاعتبار لفكرة التخطيط الوطني الشامل لما تتيحه من ضمانات للمتابعة والمراقبة المؤسسية, والمحاسبة المنتظمة للحكومات المتعاقبة على مدى التزامها بتنفيذ مقتضياته الاقتصادية والاجتماعية .
_ وارتباطا بذلك, التوافق على استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد باعتباره نتاجا لهشاشة المؤسسات السياسية والرقابية حيث في ظلها استشرى وتغول وبسط سطوته على جل مرافق الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية . إن مواجهة الفساد كمعضلة سياسية ( لا أخلاقية , فردية فقط ) يقتضي إرادة سياسية للدولة بكل اجهزتها ومؤسساتها ,و إشراكا فعليا وفاعلا للهيآت والجمعيات وكافة المواطنين , إضافة إلى تشريعات قانونية على رأسها قانون تجريم الإثراء غير المشروع , المحتجزلدى حكومة لا تمل من ترديد شعار ” الدولة الاجتماعية “!!
_ القيام بإصلاحات سياسية ودستورية ومؤسساتية ديمقراطية تفتح المجال السياسي على المشاركة والمراقبة ,وعلى تعددية عقلانية , منتجة ,وذات محتوى ديمقراطي مواطني لا فئوي أو “حزبوي” ضيق الافق بما يساهم في ” التنمية السياسية ” التي هي شرط من شروط تعزيز الثقة والتناغم بين قيادة الدولة لقطار التنمية والتحديث, وبين الفعل المجتمعي المتعدد الواجهات والأدوات والأدوار .
_ إصلا ح الحقل الحزبي بعد أن أصبح ,في الوضع الذي آل إليه ,عبئا على التقدم الديمقراطي ,وعامل إحباط وتعميق لللاثقة في السياسة والعمل الحزبي لدى معظم المواطنيين والمواطنات على اختلاف أعمارهم . ولابد في هذا الصدد , من التحذير من سموم أبواق النزعة ” السلطوية” التي تستغل الوضعية الحزبية القائمة لشيطنة الظاهرة الحزبية عامة , والتشكيك في جدواها !, فهذا هو الخطر الأعظم على الديمقراطية التي ما قامت دولة حديثة ولن تقوم لها قائمة بدون أحزاب ديمقراطية قوية وذات تمثيلية حقيقية في المجتمع . لا غنى عن الأمل في إرادات التصحيح الحزبي الداخلي المحصن ضد أي شكل من أشكال الإفساد , وإعادة البناء للأدوات الحزبية الديمقراطية الوازنة و المؤطرة للمواطنين على اساس رؤية تقدمية لمغرب الغد
بعد سبعين , ها نحن مازلنا نتغذى , وسط الانتكاسات والتراجعات ووو, بالأمل في الغد الذي سيفي بما بقي عالقا من وعود الأمس وتطلعات الحاضر, فلتتسلح كل الارادات الوطنية الصادقة لترجمته ( الأمل ) الى واقع يتحرك نحو الأمام بدل الجمود أو النكوص إلى الوراء .