آخر الأخبار

هل يحاربون الفساد أم يهاجمون الوطن ؟

إدريس الأندلسي 

يدخلون إلى هواتفنا دون استئذان و يلبسون أقنعة مختلفة ألوانها.  يتوجهون إلينا بعبارات ” إخواني المغاربة” أو ” خوتي خواتاتي ” أو ” خوتي المغاربة” أو ” حبايبي” أو ” أيها المواطنون “. أغلبهم تحول إلى فئة من متسولي الفضاء الأزرق  يطلب ” محبة” تتحول إلى تحويلات مالية. لا يتكلمون نفس الكلام  و لا يتوجهون بنفس الرسائل إلى الجمهور. فئة صغيرة من نجوم الفضاء الأزرق تهتم بالقضايا الإجتماعية  و السياسية  و الباقي يصطاد المتابعين بوصفات الطبخ  و التجميل  و اللباس و أمور أخرى. 

أصحاب الخطاب السياسي نوعان.  منهم من إختار لغة مباشرة مليئة بالتهم  و القصف بكل النعوت المسيئة لكثير من المسؤولين في كافة القطاعات و منهم من يختار لغة فيها نوع من التوازن  بين النقد الموجه ضد تدبير أهم قضايا الوطن و المواطن  و عدم توجيه التهم دون بينة و ملفات موثقة. و تصل درجة حدة النقد من داخل الوطن درجة تجعل القارىء يشك في مواصلة صاحب الموقع لعمله الحفاظ على حريته. الأمر الأزرق و تمظهراته المختلفة يبينون مدى الهوة التي أصبحت  تفرق بين قنوات صنع الخبر  و أشكال التعليق عليه.  كثافة ضباب  و دخان  تسربت من خلالها كائنات قليل منها يفقهون  و الأقل يجهلون  قواعد الإعلام  و لا يعيرون إلى المبادئ  الأخلاقية  و الوطنية أية قيمة.   

المسألة فيها الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى تحليل  و أجوبة  تبين أن الأمر ليس مجرد مشاركة في نقاش عام حول قضايا الوطن.  نعم نعيش مشاكلا في تدبير أمور وطننا.  و هنا تلتقي مصالح الفاسدين الذين تولوا الشأن العام المحلي  و الجهوي  و الوطني  و الذين افسدوا  مؤسسات  و اضعفوا منسوب الثقة في المؤسسات،  و مصالح من يتم تجنيدهم خارج الوطن من طرف مؤسسات استخباراتية موظفة لتدمير كل إرادة في بناء وطن قوي.  نعيش يوميا هجوما على المغرب من طرف حفاة عراة يعبدون مال الاستخبارات  و يثقون في رسائل  الحماية الممنوحة لهم.  و كم يذكرنا هذا المشهد بالحمايات القنصلية قبل الإستعمار.  أحترم من يناهض الظلم ضد الرأي الحر  و يدافع عن حرية الصحافة كيفما كانت مواقفها إتجاه كل السياسات  و لن أحترم أبدا من يسخر صوته العفن  و قلمه المتسخ من أجل مداخيل بالدولار  و الاورو  و خصوصا بالدينار المستضعف في كل أسواق العملة. 

لا يمكن أن نعبر جسر الحريات العامة  و نتعامى عن الاغتناء غير المشروع  و عن فشل سياسات قطاعية  و عن وصول ” نخب” ضعيفة التكوين  و المقدرة على التدبير إلى مقامات قيادة مؤسسات الوطن.  اساند من يعمل كل يوم عبر موقعه على فضح خيانة الأمانة و التسلط على الأمر الترابي. هناك تهلهل مؤسساتي تم صنعه  و قبوله  لكي يضعف الوطن.  و لنا في ما يظهر على السطح من ملفات فساد  أكبر دليل على أن الخونة يسكنون بين ظهرانينا.  بالطبع يحرم القانون ذكر الأسماء  و لكن الآليات القانونية  و المؤسساتية تعلم علم اليقين أن الاغتناء غير المشروع وباء استشرى في أرضنا. 

و هذا الواقع يجب أن يدفعنا إلى التفريق بين من ينتقد من الداخل  و يعري واقعا مريرا  و يفضحه  و لا يطلب سوى أن تقوم السلطات بأدوارها الدستورية. مؤشرات عالمية الصنع  و موثوق بصدقيتها تبين تراجعنا المستمر في مجال الحكامة  و الرشوة  و التنمية الاجتماعية  و تركز الرأسمال في يد  اقلية.  نفس المؤشرات تدفعنا إلى طرح سؤال العلاقة بين الموقع السلطوي  و تطور ثقل مكونات ثروة محتلي هذا الموقع.  و قد ينسى الكثيرون أن الصراع لا زال كبيرا بين المفسدين لتولي مسؤولية تدبير مخططات التعمير  و لو انتموا إلى نفس الحزب. و الغريب أن الكثير من السلطات تتغاضى النظر إلى ما يشوب التدبير من جرائم.  و ستنتظر طويلا إلى أن تقوم جمعيات بفضح الاختلالات  و رفع الملفات إلى القضاء.  و لولا هذه الجمعيات، غير المرغوب فيها ، لما  دخل بعض المدبرين للشأن  العام إلى دائرة المساءلة القضائية.  

نعم هناك مواطنون يناضلون من الداخل  و يظل التزامهم  قائما على مواجهة الفاسدين   مهما كانت مواقعهم.  و هؤلاء يستحقون التقدير.  و بالطبع هناك من لا تهمهم قضايا الوطن.  يفرحون ان نجح عدو لوحدته الترابية في السيطرة على برلمان  و يصفقون لكل خطوات اللوبيات المعادية لتراب الوطن.  و لكنهم  ينعمون بالرعاية  و الحماية  و التدريب من طرف مصالح استخباراتية  على احتلال الفضاء الأزرق. هناك من يعتدي على حرمات أشخاص لا شأن لهم بتدبير الشأن العام  و لكن يمكن أن يؤدوا فاتورة  على شكل رشوة اذعان  لسمسار في أمريكا أو في أوروبا  يراكم مصالحا  و اموالا  و لا يهمهم الوطن. حماية بيتنا  القوي بحديد سقفه  و حجر أركانه لن يستسلم لأحفاد مسيلمة الكذاب.  هناك معارضون عاشوا فترات عصيبة  و اختاروا النضال  من الداخل  و هناك نكرات يتاجرون بأرواح شهداء  و حياة مناضلين  و قضايا طبقات تعيش الهشاشة في الواقع . النضال يستمد شرعيته من مواجهة الظلم  و الفساد في الميدان.  و تحية لمن يشتغلون على التغيير من الداخل  و ما أصعب من يواجهونهم من الفاسدين.  أما المستأجرين من طرف من يحميهم في الغرب الذي لا يريد أن نهدم ميناء البحر الأبيض المتوسط  و محطات توليد الطاقة  و كل إرادة في الانعتاق،  فسيظلون في إنتظار الأمر اليومي للهجوم على الوطن. 

قال أجدادنا  و المؤرخون  و حتى بعض عتاة الإستعمار أن المغرب عرف ازهى فترات قوته مع السلاطين الذين  دافعوا عن ثغوره  و واجهوا المستعمر  من الزلاقة إلى معركة ايكوفيون. من يريد أن يدافع عن المعتقلين السياسيين لا يتاجر بقضاياهم عبر استجداء عبر الفضاء الأزرق. هؤلاء ليسوا في خدمة القضية الحقوقية بالمغرب  و لا يهمهم ما يقع على مستوى التوزيع العادل للثروات.  أغلبهم من الأثرياء في بلدان المهجر.  و يحز في النفس أن البعض ممن لا زالوا يظنون أنهم من فرسان صحافة الحرية هم من ساهموا في إجهاض التجربة التاريخية للتناوب الديمقراطي.