آخر الأخبار

الـكـوارث الـنـائـمـة – 1 –

سـعـد سـرحـان

تُحسبُ لأجهزة الأمن المغربية يقظتها الدّائمة إزاء ما يعرف بالخلايا النّائمة، فلا تكاد الواحدة من هذه تضع خُطاطة للكابوس، حتى تكون تلك أعدّت له إطارًا من القضبان بخلفيّة تليق بقتامته.ومع الانتشار السّرطاني لهذه الخلايا، سيكون من الأنجع مواجهتها بالأشعّة والكيمياء، وذلك بقطع طُرق الإمداد عنها بإقامة متاريس مضادّة لرياح السّموم ورياح الخمّاسين التي تُغذّيها بذلك القتل القادم من الشّرق، وبحقنها بالأمصال اللّازمة للإقبال على الحياة.غير بعيد عن الشّخير الدّمويّ لهذه الخلايا، تنام كوارث من مختلف الأحجام؛ وحتى لا تكون سببًا في لعنة أحد، فهي تستيقظ، من هزيع لآخر، من تلقاء نفسها، لتقضي حاجتها حيثما وكيفما اتفق، مُكلِّفةً العبادْ غسيلَ البلادْ.لا يوجد المغرب فوق صفائح تكتونيّة يحلو لها الرّقص المُزَلْزِل، وليست بين تضاريسه براكين يعرف الجميع ما تُضمر، ولا تنتابه تلك الأمطار التي لا ترضى بأن تنتهي إلى أقلّ من فيضان، وشواطئه، على كثرتها، ليست بينها مِنصّات تنقضُّ منها الأمواج على العمران بمن عمر…ولئن كان هذا ونحوه يبرّئ الجغرافيا من كوارث البلد، فإنّه بالمقابل يورِّط التاريخ. ولمّا كان هذا صنيعةَ البشر، فإنّ كوارثنا، ما ظهر منها وما بطن، إنّما هي كوارث بشريّة.في بلدان الزلازل والبراكين والفيضانات وسواها مِمّا يطفح به كَيْل الطبيعة، لا تفرض الدّولة ضريبة الكوارث على مواطنيها. أمّا في المغرب، فالدولة لم تر حرجًا ولم تحمرّ خجلًا وهي تؤاخذنا بما فعلت الكوارث منّا.إقرار ضريبة على الكوارث يؤديها المواطن ضمن التّأمين على سيارته يضعنا مباشرة أمام طرقاتنا الكارثيّة. فقبل أن تتفوّق حكوماتنا المبدعة على سورياليّة سالفادور دالي بتنزيل إحدى ساعاته المائعة إلى أرض الواقع، وذلك بجعل ساعتنا تذوب صيفًا وتتجمّد كما هي بردًا دون أن يرِفّ لها عقرب، كانت قد تفوّقت على نفسها بابتكار تلك الطرقات المائعة التي يذهب إلى إسفلتها ما فاض من كُلفتها عن جيوب الفساد.
عامًا بعد عامٍ
ومطرًا بعد مطرْ
تترصّعُ هذه الطرقات
بمزيد من الحُفرْ
فتبدو كأحزمة عملاقة
منذورة لِجَلْدِ الرّاكب والنّاقلةْ
والتّعجيل للدّاني بالآجلةْ.
أمّا الضغث على الإبّالة فهو أن هذه الطرقات تتخلّلها أجزاء كثيرة تنام مِلْءَ الجسور عن كوارثها ويصطدم الخلق جرّاها وينقلب.ففي أخبار منشورة أنّ بالمغرب أزيد من ألف قنطرة مهدّدة بالانهيارْ. وهذه، فعلًا لا مجازًا، كوارث نائمة، يمكن في أيّ لحظة أن تدهمها الكوابيس، فتسقط من أسِرّتها المتهالكة إلى الأنهارْ.وللتذكير، فقبل سنوات قليلة انهارت إحدى القناطر وخلّفت خسائر في الأرواح. وفي ذروة المَناحة الوطنيّة خرجت علينا الصّحافة برسالة من مسؤول كبير كان قد أرسلها إلى وزير النقل يفصّل له فيها الحالة الحرجة لتلك القنطرة بالذات. وها قد جرت دماء كثيرة تحت الجسر، ولم نسمع أنّ أحدًا دفع ثمن تلك الكارثة.عارٌ على البلد بأكمله أن يشهد فيه المرء، خلال حياته القصيرة، ميلاد قنطرة وأن يشاهد جنازة ضحاياها وهي تُوارى النهرَ، فيما قنطرة السّعديين، عند عتبة مراكش، مازالت قائمة تُعبَرْ، وفيما الجسرُ، كانت تختال إليه عيون المها من الرّصافة، لمّا يزلِ الجسرَ تختال إليه عيون المها من الرصافة…عارٌ على البلد بأكمله أن ينجب أفذاذًا في كل التخصّصات، وتبدو فيه الهندسة المدنيّة وكأنّها من أساطير الأوّلين.فضلًا عن الضريبة السنويّة التي يدفعها السّائق على سيّارته، والتّأمين الذي قلّما يستفيد منه، فهو يدفع ضرائب أخرى من التآكل السريع لعجلاتها وتعرُّض حالتها الميكانيكيّة لسوء الطرقات… وكذا من الخوف على سلامةٍ لا يضمنها أيّ حزام.
فلماذا إذن تفرض عليه الدّولة ضريبة الكوارث؟..الأرجح، عندي، أنّ الأمر يتعلّق بمشروع مجتمعي لتحديث المأثور الشعبي. فبعد أن حيّنَت بالأمس “آش خاصك آ العريان” بنجاح، ها هي الدولة اليومَ تُحَيِّنُ “طاحت الصومعة”، ولا تدري نفسٌ ما تُحَيِّنُ غدا.وحتى لو كان لا بدّ من ضريبة كهذه، فلتُفرض على شركات الأشغال العموميّة التي تقوم بشغلٍ يخجل منه الشغلْ
وعلى عرباتِ النقلْ
المضِرِّ منها بالهواء
والمُدِرِّ منها الدّخلْ
مع سجن لصوص الإسمنتْ
وأثرياء الإسفلتْ
وأَكَلَةِ البِرْطيل والسّحتْ
وتنظيف
سلالم
البيتْ
من
فوق
إلى تحتْ.