آخر الأخبار

رئيس حكومة و انتظارات المغاربة  تضخم  و شغل  و استثمار ؟

إدريس الأندلسي 

بعد جفوة طالت بين رئيس الحكومة  و مجلس النواب تفضل السيد عزيز اخنوش بقبول جلسة حول السياسات العمومية  مع التركيز على الإستثمار الخاص. قبل شهور وافق البرلمان على القانون الإطار الخاص بالاستثمار بالإجماع.  و بزع أول نص تنظيمي يوم  26 يناير 2023 لكي يبدأ توزيع الشيكات على المستثمرين بأثر رجعي يغطي سنة  2022. الوزير الجازولي كان واضحا  و أعتبر أن الإستثمار الخاص يحتاج إلى المنح  و أشياء أخرى.  و أعرب قبل شهور عن ضرورة خروع المرسوم الأول قبل نهاية السنة.  لكن بعض التأخير البسيط اخر عمليات توزيع الشيكات التي ستصل إلى 30% من حجم الإستثمار.

قبل التوسع في تحليل الموضوع وجب التذكير بقضيتين أساسيين هما التضخم  و خلق مناصب الشغل.  السيد رئيس الحكومة افاض في منجزات الحكومة في إبداع آليات للتشغيل  و في الجهود المالية التي بذلت للحد من آثار إرتفاع أسعار الطاقة  و المواد الغذائية على الطبقتين الفقيرة  و الوسطى.  و الحقيقية هي أن أكبر مستفيد  من صندوق  المقاصة هي طبقات الأغنياء جدا التي تستفيد من دعم الغاز  و السكر  بالإضافة إلى النفقات الجباءية  و الدعم المباشر في قطاعي الزراعة  و الصناعة.

حين نتكلم عن التضخم  و إرتفاع الأسعار و مقارنتها بأرقام المندوبية السامية للتخطيط فإننا  نحاول اغراق سمكة في الماء.  معدل التضخم له منهجية متعارف عليها دوليا. تؤخذ كل المواد  و الخدمات  من ملبس  و غذاء  و سكن  و نقل  و دواء  و غيرها  و تقسم إلى مجموعات  ثم تتم عمليات توزيع مناطق البحث حسب مقاييس جغرافية  و اجتماعية.  و يتم تجميع كافة المعطيات للوصول إلى معدل وطني مع بعض الوسائل الحسابية للترجيح.  هذا من ناحية المنهج.  أما في الواقع فنسبة التضخم التي لها علاقة بالقدرة الشرائية للمواطن ليست هي تلك النسبة المئوية التي قيل أنها تجاوزت بقليل 6%. هل يعلم السيد رئيس الحكومة أن مقياس الحقيقة هي  قفة المواطن  و تراجع حجم المواد التي بداخلها.  هذه القفة أصبحت أقل وزنا أمام إرتفاع صاروخي للأسعار. لحوم تجاوز سعرها 130 درهم  و خضر تطير في الهواء بعيدة عن جيب المواطن  و خصوصا تلك الطماطم التي اقترب سعرها من سعر الكازوال.  قفة المواطن هي أيضا مصاريف الاستشفاء التي لا علاقة لها بالأسعار الرسمية. التضخم الحقيقي هو سعر كيس اسمنت في أعالي الجبال  و سعر دواء  و سعر غاز تدفئة في المناطق الصعبة .  يكتوي سكان بتضخم استثنائي يزيد من هشاشة وضعهم  و لذلك أصبح لزاما التعامل بكثير من الإبداع و الذكاء و التضامن مع سكان الجبال  و الجهات الصعبة. أن يختار طبيب أو صيدلي أن يقدم خدماته لسكان الحوز أو مرتفعات شيشاوة  و الريف مثلا، فهذا يمكن اعتباره اختيارا يوجب معاملة تفضيلية تشكل ” منحة المساهمة في تقليص الفوارق المجالية “. التضخم ليس مجرد تجميع أسعار مئات السلع و الخدمات  و استخراج معدلات على الصعيد الوطني،  بل النظر بكثير من الوعي  و المسؤولية لفعل إرتفاع الأسعار على مستوى عيش المواطن.

أتعجب كيف لا زال السيد رئيس الحكومة يعتبر برنامجي اوراش  و فرصة  إنجازات في مجال التشغيل. الأمر يحتاج إلى تقييم واقعي  و دراسة مدى ديمومة التشغيل في إطار آليات مؤقتة. أظن بكثير من اليقين أن الرجوع إلى نظام الخدمة العسكرية في إطار منظور  و منهج وطني متجدد  و مركز على القيم الوطنية  و الإلتزام و التكوين المهني الجيد  يجب أن يكون نبراسا في هذا المجال. 

و بالرجوع إلى موضوع الإستثمار يجب أن نقدر بكثير من الإيجابية  الأهداف  و المحاور الأساسية للقانون الإطار. الكل أصبح مقنعا أن العلاقة بين الإستثمار العمومي  و الإستثمار الخاص لا تخضع لمنطق خلق القيمة المضافة المطلوبة.  و بالرجوع إلى تاريخنا الإقتصادي غير البعيد يتبين أن طبقة المقاولين نشأت في أغلبها في حضن الدولة. من المغربة إلى الخوصصة مرورا بكرم قوانين الإستثمار منذ أكثر من حوالي خمسين سنة،  تكون جيل من المقاولين أتى كثير منهم من الإدارات العمومية  و ازدادت الطبيعة العائلية لامتلاك رأسمال المقاولات.  فما بين منح  و تسهيلات عقارية بالملايير تعود الكثير المقاولين على صدر حلوب  و تطور مع هذا الوضع تهرب ضريبي  و مزيد من الطلب على تحفيزات إضافية. انشأت مناطق صناعية  و تم الإستثمار في كثير من المناطق السقوية  و مع مرور الوقت تحولت هذه المناطق إلى مجال للتعميير  و تجارة العقار.  و يكفي ذكر حوالي  300 هكتار من الأراضي السقوية إنتقلت إلى  مجالات حضرية. أما المناطق الصناعية التي استفاد منها بعض المقاولين فتحتاج إلى دراسة تبين كيف تحولت إلى أنشطة أخرى لا علاقة لها بالصناعة.  و كانت النتيجة ضعف كبير لحجم الإستثمار الخاص في البنية العامة لهذا القطاع  و غياب تأثير على نسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي. و هذا يعني أن استثمار عمومي يزيد معدله السنوي على 200 مليار درهم  و استثمار خاص بحوالي 100 مليار درهم لم يتم تنفيذهما بمنطق دعم الإنتاج ذي المردودية الإقتصادية  و الإجتماعية التي تنعكس على معل النمو  و سوق الشغل.

تكلم السيد رئيس الحكومة على أهمية القانون الإطار  و المرسوم التطبيقي الأول المتعلق بالمنح عن دعم المنطقة ب بمنحة تصل إلى 15% من حجم الإستثمار  مقابل 10% للمنطقة ألف.  هل فرق 5% سيكون كافيا لاتخاذ القرار بالاستثمار في المناطق الصعبة أو المعزولة أو المهمشة.  لا أظن مستثمرا قد يأخذ قراره على  هامش كهذا.

القانون الإطار  و المراسيم المنتظرة يجب أن  تدقق في الآليات  و ضمانات الإنجاز السليم للمشاريع الإستثمارية  و خصوصا تلك التي تمر عبر اتفاقيات الإستثمار. هناك رهان على خلق مناصب شغل  و قيم مضافة مقابل منح  و تسهيلات ضريبية  و جمركية  و عقارية.  المطلوب حماية المال العام ضد كل اخلال بالالتزامات.  و يجب تحصين المصالح الوطنية ضد المستثمر الأجنبي الذي يخل بالتزاماته.  لدينا ملفات أمام المركز الدولي لحل النزاعات قد تكلفنا ملايير الدراهم.  و لعل ملف لاسامير خير محفز لتقوية إمكانيات تحصين وضعنا القانوني أمام هذا المركز. الكل يعرف أن التأخير الذي يعرفه مسلسل حل ملف لاسامير مرتبط بثقل ملف التحكيم. حتى إمكانيات زيادة المخزون الاستراتيجي من المحروقات  لا زال مرتبطا برفع الطاقة التخزينية عبر استثمارات جديدة  و ليس عبر استغلال ما تتوفر عليه لاسامير.  الأمر الإستثماري يحتاج كذلك إلى إصلاح كمي و نوعي لمنظومة القضاء المختص  و إبداع حقيقي في آليات التحكيم  و الحد من تشتت الأنظمة العقارية التي تعرقل الإستثمار و التقدم درجات في مجال محاربة الرشوة و الفساد . و هذا مجرد غيظ من فيض  في إطار ملاحظات أولية  .