آخر الأخبار

حــيـن تـتـحـول الـمـوضـة إلـى فـوضـى

سـعـد سـرحـان

ذات مرة دخلت إحدى تلميذاتي إلى الفصل وهي ترتدي أسمالا حقيقية. الفتاة من أسرة ميسورة، بدليل ملابسها السابقة، وهو الأمر الذي لم يفاقم من دهشتي بقدر ما فعل عدم استغراب أي من زملائها لما آلت إليه.قلت مع نفسي: لابد أن حدثا جللا، لابد أن طارئا رهيبا، أو لابد أن ارحموا عزيز قوم ذل. ثم قررت أن أتحاشى النظر إليها طيلة الحصة، وهو القرار الذي نقضته مع أول التفاتة. كانت تلميذتي، رغم مصابها، تتصرف بشكل عادي طيلة أطوار الدرس. ولقد أبدت رباطة جأش تحسد عليها حين طلبت أن تقوم إلى السبورة لإنجاز أحد التمارين التطبيقية.

ولكي لا أجعل منها عارضة أسمال فوق مصطبة الفصل، اخترت تلميذا آخر. حين دق الجرس، أشرت إليها أن انتظري قليلا، حتى إذا خلا الفصل تقدمت منها وجعلت أسرد عليها كل العبارات التي كنت قد أعددت فيما كان التلاميذ ينقلون الدرس في دفاترهم. فقلت لها مثلا: سبحان مبدل الأحوال، ومن لم يخرج من الدنيا لم يخرج من عواقبها، ودوام الحال من المحال.. و.. و.. ومع مطلع رثاء الأندلس لأبي البقاء الرندي كانت ديباجتي قد وصلت إلى ذروة السخافة. وهو ما أحسست به حين تعمدت تلميذتي النظر إلى ساعتها. ساعتها، لملمت ارتباكي وقلت بما يكفي من الجد: اسمعي، باختصار أنا مستعد لاصطحابك إلى أي محل تشائين لأشتري لك ملابس أخرى تغنيك عن هذه الأسمال.فقاطعتني ضاحكة: هذه ليست أسمالا، هذي حوايج لاموض آمسيو… هكذا أسقط في يد مسيو. مسيو الذي هو أنا طبعا. وكان أن نظر مسيو إلى ملابسه، فإذا هي ركيكة جدا إذ لا أثر فيها لبلاغة الموضة.وفي مرة أخرى جاء أحد تلامذتي بملابس ملطخة بالصباغة من كل لون. ولكم أشفقت لحاله ولعنت في نفسي ضيق ذات اليد وهذا الزمن الذي لا يرحم. فكيف سيوفق الولد بين الدراسة وورشة الصباغة حيث يعمل؟ وهل يعقل أن يكون والداه، في حالة عدم عوزهما، قد اقتنعا بأن المدرسة لم تعد طريقا سالكا إلى المستقبل فعبّدا أمام الابن طريقا موازيا؟ مهما يكن من أمر، فقد قررت أن أساعد الولد بأن أعطيه ما يتقاضاه من مشغله حتى نهاية السنة الدراسية على الأقل. ولهذه الغاية استبقيته في آخر الحصة. لكن، ما إن فاتحته في الموضوع، أنا الذي لا أرعوي، حتى لدغت من نفس الجحر.وفي مرة ثالثة، حضر أحد تلاميذي من ذوي البنية المحترمة وقد حلق رأسه حلاقة خفيفة جدّا أسفرت عن ندبة مقوسة في مقدمة رأسه جعلته يبدو شرسا. وحين سألته عن الأمر، طمأنني أنها ندبة اصطناعية وأن الهدف منها هو ما حدث معي بالضبط. وتجميل القبح هذا يذكرني ببعض زعران حومتنا القديمة. فقد كانوا يسمون الندبة على الخد “حفرة الزين” كما كانوا يستقبلون الخارج للتو من السجن على أنه “عائد من هولندا”. فشكرا للغة. شكرا لمَكْرها تحديدا.في حينا القديم، كانت إحدى المتسولات تمر كل صباح لتستجدي الخبز اليابس (كان ذلك تخصصها). لقد حاولت مرارًا أن أفهم لماذا، كما حاولت تكراراً أن أسألها، سوى أني لم أستطع أبداً.
ولقد علمت بعد ذلك بكثير أن ساعية حومتنا إنما هي واحدة من سعاة كثيرين يجمعون الخبز اليابس لفائدة شركات ذكية تخضعه لعمليات تجميل دقيقة (من الدقيق طبعاً) يخرج بعدها في طبعة مزيدة ومنقحة فإذا هو بسكويت.وللإنصاف، فما تقوم به هذه الشركات هو عمل بيداغوجي يمتح مباشرة من نظرية التغذية الراجعة (feedback). فالأولاد الذين يزهدون في خبز البيت هم أنفسهم يحرنون أمام واجهات الدكاكين حيث الخبز إياه وقد تنكر في اسمه الجديد. إن عملية البَسْكَتة (لاحظوا الاسم bis وcuit) أشبه ما تكون بالسحر، والقائمون عليها هم حواة حقيقيون.فبفضلها صار خبز أمي ينتهي نهاية سعيدة، إذ بدل أن يبلل وينثر للدجاج فوق سطح البيت، أصبح يحظى برفوف أنيقة في المتاجر الكبرى بعد أن تم تلفيفه (تلفيفه أم تلفيقه؟) في بريق حقيقي، كما أصبح الكثير من الأولاد يشهرونه في وجه جوعهم مع كل استراحة مدرسية.وفي حينا القديم أيضا، كان يمر بين الفينة والأخرى أحد المشترين المتجولين طالبا من السكان أن يبيعوه ملابسهم البالية. ومع أن الكثير من الناس كانوا يعرضون عليه خرقا حقيقية، فإنه ما كان يعترض أو يتذمر، بل كان يقدر ثمنا لكل قطعة، وهو الثمن الذي يرتفع كلما كانت آثار الزمن ظاهرة. فالرجل كان يهوى الملابس العتيقة مثلما يهوى غيره الخمورالمعتقة.وللتاريخ فقط، فقد كان يجد ضالته في دربنا بالذات حيث لا يعرضون عليه القميص إلا بعد أن يكون قد نشر على معظم أغصان شجرة العائلة. لقد كنت أقل جرأة من أن أسأل الرجل إلى أين يذهب بتلك الملابس (هل هي ملابس؟) ومع ذلك فلم أنتظر الجواب طويلا، إذ خلال تلك السنوات بدأ يتوافد على بلادنا قوم يقال لهم الهيبِّي، قدَّرت، ما إن رأيت أول أفواجهم، أن أسمالنا تنتهي عندهم. ولكم لُمت، بيني وبين نفسي، جيراننا شديدي الإملاق على تقاضيهم ثمنا لخِرَقهم، فهي أقل من صدقة وأولئك أقل من متسولين. وإليهم يرجع الفضل في إقناع الكثيرين بأن التخلف هو منتهى الحضارة، وهي القناعة التي انبرى لترويجها الآن شباب الموضة الذين لا يدرك معظمهم أن بلادهم أسمال حقيقية إذا ما قورنت ببعض البلدان التي تشبه ملابس السهرات.تكاد الموضة أن تكون العطار الذي يصلح ما أفسده الدهر، خبزاً كان، ملابس، موسيقى… أو بشراً حتى. وإليها يرجع الفضل في امّحاء الخطوط الفاصلة بين الغنى والفقر، بين الشباب والشيخوخة، بين العافية والسقم، بين الجمال والقبح، بين العز والذل.. وليس أخيرا بين الفطنة والسذاجة: فكلما اجتهدت في الأولى نجحت في الثانية. فمن كانت في أسمال مهلهلة، اتضح أنها أحد الأبناء البررة للموضة. ومن كان يرتدي ملابس ملطخة بالصباغة تبين أنه ابن عصره، عصر الصباغة أعني. وما حسبته تمزقاً عند الركبة أو لطخة كان توقيع مصمم الأسمال.وعند هذه النقطة تحديداً، أدعوك أيها القارئ الكريم إلى الوقوف دقيقة صمت ترحماً على مّي زهرة، فقد ماتت مغمورة (والأصح مغمومة) مع أن أبناءها كانوا يرتدون ملابس تحمل توقيعات في منتهى الموضة.تلك الملابس كانت تصفها أمي أمد الله في عمرها بأنها “كتعقل على جد النمل منين كان عتروس”. وهي عبارة ثمينة قد ترفعها إحدى دور الأسمال شعاراً لها أو توظفها في إشهار منتوجاتها. فالمؤكد تاريخيا أن جد النمل كان تيساً، لكن لا أحد يعرف أية ملابس كان الناس يرتدون في ذلك الزمن.ولقد نجحت في السذاجة مرة أخرى حين ظننتها متسولة خبز يابس تلك الممثلة المتنكرة لإحدى شركات البسكويت. أما الرجل الذي كان يشتري الخرق في حيّنا فقد أسفر عن أكثر من وجه. فمن قائل إنه كان عميلا للهيبيين وأضرابهم يبيعهم أسرارنا الكالحة، ومن قائل إن الرجل ذو نبوءة، فقد كان يعرف أن الملابس المحترمة سيدور عليها الزمان ويطوقها بملابس أكثر احتراما: الأسمال. أما بالنسبة إلي، فإنه ليس فقط ذا بعد نظر وإنما صاحب نظرية أيضا. فإذا كانت البسكتة تمتح من feedback فإن الأسْمَلَة تمتح من توأمها السيامي wearback وهي نظرية ذات حذافير، لذلك فقد وجدت من يطبقها بحذافيرها.وبسبب إمّحاء الخطوط الفاصلة تعرضت غير مرة للحرج أمام نفسي. فذات مرة عرض التلفزيون برنامجا يقطع القلب: على مصطبة طويلة وأمام جمهور يعاني من فائض الشفقة، كانت تمر تباعا فتيات لولا وقع كعوبهن لما كن ليظهرن على الشاشة لفرط نحولهن. ناديت على زوجتي: تعالي نتبرع. كنت قدَّرت أن إحدى الجمعيات الخيرية قد اكترت قليلا من التلفزيون لاستدرار عطف ورحمة المشاهدين بعرض تلك الفتيات المقطوعات من شجرة فعلا لا مجازاً، فهن كأغصان ومنهن من ترتدي ورقتي توت.وحسب تقديري، فقد توقعت أن يختم البرنامج بإظهار أرقام الهواتف والعناوين التي على ذوي الأريحية الاتصال بها للتبرع. لكن زوجتي أفهمتني غير ذلك تماما. العجفاوات اللائي أشفقت عليهن، وعزوت نحولهن الفادح إلى سوء التغذية والأمراض المزمنة، لم أعدم من يشرح لي أنهن في منتهى الصحة والعافية، بل إنهن نماذج للجمال بكل المقاييس بما فيها مقاييس المسطرة والبركار.ولأن الأمر تكرر معي فقد تقرر، وصدقت على مضض، فأنا وريث سلالة كانت تستوثر فراشها وهاهي الآن، جرَّاء الموضة، تنام ملء جفونها على أسرة من الأسلاك والنوابض. أما الفتيان الذين كانوا يرتادون المقهى مع صديقاتهم الكواعب، يسترقون إليهن اللمس ويتضاحكون حد السعال، فقد بدأوا يموتون الواحد تلو الآخر. ولما أبديت أسفي على شبابهم قيل لي إنهم لم يكونوا شبانا بل شيوخا في أرذل العمر، وبسبب إكسير الموضة جعلوني مصاباً بعمى الأعمار.مرة، وأنا عائد إلى بيتي زوالا، صادفت مجموعة من الشباب، أبناء الذوات كما تشي به ملابسهم، فهم ينتعلون قطعا من الجلد أو البلاستيك، ويعتمرون قبعات كالحة ويرتدون سراويل ممزقة عند الركب، وبعضهم ملطخ بالصباغة من كل لون. قلت مع نفسي: لقد تم استلابهم، فالموضة تتقمصهم (أو يتقمصونها) من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين.ولقد تكررت مشاهدتي لهم أكثر من مرة قبل أن أعلم أنهم يعملون في ورشة مجاورة للبناء يغادرونها زوالا لتناول ما يقيمون به أودهم. وإذا صح أنهم أثرياء كما قدرت في البداية فليس بسبب الموضة التي فرضت عليهم فرضا، وإنما بسبب أرصدتهم الهائلة في بنك القناعة التي يفنون أعمارهم في سبيل ألا تفنى.ذات قيلولة تناهى إلى سمعي صراخ وجلبة من الشقة المجاورة لشقتي، وهي الشقة التي يقيم بها شاب يتابع دراسته العليا في أحد المعاهد الخاصة. قلت مع نفسي لابد من التدخل قبل أن تتفاقم الأمور، فربما يكون سوء تفاهم قد اندلع بين أفراد شلته التي من الجنسين، وفي هذه الحالة، فإن تدخل رجل حصيف مثلي سيكون أمراً محموداً. بعد طرقات عديدة على الباب وضغط متوال على الجرس، فتح الشاب وعلى وجهه أمارات الاعتذار: “صدعناك آأستاذ .. دابا نْقُصْ من لاشين”. ابتسمت في وجهه ثم عدت إلى قيلولتي فوجدتها قد غادرت إلى أجل لاحق. ولقد تبين لي أن الصراخ والشتائم والصليل والضوضاء والبذاءات… قد أصبحت تشكل الموسيقى والغناء اللذين يشنفان ملايين المسامع.ولكم تأسفت، لدى وقوفي عند هذه الحقيقة، على المواهب الفذة التي ضاعت أمام عيني. ففي حيّنا القديم كان هناك فنانون كبار في هذا النوع من الموسيقى والغناء. فحسن تشيما والسعيد المجنون ومحمد الكابران وعبد الله الكتامي وباقي الجوقة الفنية (وأي تشابه بين هذه الأسماء وأخرى من الخيال هو محض مصادفة) كانوا يحيون حفلات مجانية في ساحة الحي كلما انبرى أحدهم أو بعضهم للمشاجرة وهي الحفلات التي كانت ترتفع وتيرتها، شأن كل الحفلات، خلال شهررمضان.ولو قيض لألبوماتهم تلك أن تسجل لكانت الآن تحقق أحسن المبيعات ولكانت شهرتهم تكسر الدنيا مثلما كانوا يكسرون الكراسي والرؤوس وواجهات الدكاكين… ولكان المدعو إمنيم مثلا يبدو أمامهم شخصا مغموراً.في طريقي إلى العمل استرعت انتباهي حلقة من المراهقين بحركاتها المريبة. فتقدمت منها فإذا يتوسطها أحد أترابهم وهو يتمرغ أرضا ثم يدور على رأسه كخذروف. وبحركة لا إرادية تناولت مفاتيحي قصد وضعها في يده. فأجدادنا وآباؤنا تصرفوا دائما هكذا في حالات الصرع، ولابد أنهم كانوا على صواب. ذلك أن الجِنِّي الذي يسكن شخصا ضيقا سيغادره لا محالة بمجرد ما يمسك مفاتيح بيت لابد انه أرحب. إلا أن الأولاد أفهموني أن الأمر لا يتعلق بصرع وإنما بصرعة هي آخر ما تفتقت عنه عبقرية الرقص. وإنها لعبقرية تستحق أن ننحني لها تلك التي حولت أبناء المَراغَة هؤلاء إلى راقصين كبار.إن الأسمال والخبز اليابس والهزال والندوب وضجيج الحواري… هي بعض العلامات الفارقة للفقر، وهي العلامات التي تمت مصادرتها من طرف الأغنياء بتحريض من شركات شديدة الخبث حتى كاد الفقر أن يكون ماركة مسجلة باسم الأغنياء. ولأن الفقر لا يتجزأ فإنني أدعو الأغنياء المتنكرين إلى زيارات ولو خاطفة إلى مناطقه الأخرى كالغذاء والسكن والنقل…فيملأون بطونهم على مر السنين بما لذ وطاب من أصناف القطاني المباركة حتى ينتهوا إلى أطباء الجهاز الهضمي ليشرحوا لهم باقتضاب شديد فوائد صنيعهم، فيندمون بعد ذلك على نظامهم الغذائي السابق، إذ ما قيمة الكافيار (caviar)، مثلا، الذي كان يرصع موائدهم إذا ما قورن بالكافار (cafard) الذي تعج به مطابخ الفقراء بأصنافه المعروفة: الكافار، الكافار روايال، والكافار بالله؟ ثم لماذا يقيمون في بيوت مترامية الأطراف تسمح للأشباح أن تسكن معهم بالمجان؟ أليس مناسبا للوك الجديد (new-look) الذي صاروا إليه أن يتكدسوا مع أشباههم الجدد في بيوت معدة لذلك؟ ولهم في دار بريشة بفاس خير مثال، فهي دار يقطنها ما يربو على خمسمائة نسمة ولا ينقصها سوى علم ونشيد لتكتمل سخريتها من كتاب غينيس للأرقام القياسية. أما مسألة التنقل، فتكفي الإشارة إلى المفارقة التي يلتقطها المشاهد حين يرى فتاة في ملابس رثة تنزل من سيارة فارهة أمام مدرسة حرة أو معهد خاص. ألم يكن حريّا بفلذات الأثرياء أن يلجأوا إلى حافلات الشعب، ففي ذلك فوائد كثيرة ليس أقلها الاحتكاك بالواقع من الأمام ومن الخلف طبعا، فهي حافلة بكل ما لا يخطر على بال، كما أن بعضها يحمل من الركاب ما قد يشجع السائق على المطالبة بالاستقلال الذاتي ولن يعدم آذانا صاغية في المحافل الدولية. إن التسلق الطبقي تعبير موفق جدا. ومشروعة هي معظم الحبال التي يستعملها الفقراء للانتقال من طبقة إلى أخرى. فالكثير منهم يقضي سحابة عمره في التسلق ليجد نفسه أخيرا في الحضيض، ذلك أن الطبقة التي انطلق منها أعمق من تلك التي يستخرج منها الفحم الحجري. لذلك، بالتأكيد، لا يتقطع الحبل إلا بالفقراء.أما الانتحار الطبقي فمحض فذلكة، أقصد موضة. فكيف نعتبر منتحرا من يقفز بالمظلة من طبقته الاجتماعية العليا ثم يحلق على ارتفاع منخفض حتى إذا تناهت إلى حواسه عوالم الفقر الحقيقية ضغط على زر سحري، فإذا المظلة تلك تتحول إلى منطاد يعود به إلى عليائه. ثم ما رأي القانون في هذه النازلة؟ فلو أن شابا فقيرا ضبطته الشرطة يضع في معصمه ساعة ذهبية مثلا، ألن تحاسبه على ذلك وتعامله كمشتبه به. فلماذا لا تقبض الشرطة على أبناء الأثرياء من ذوي الأسمال ومن شاكلهم وتقدمهم للمحاكمة؟ فالتهمة عندي جاهزة: انتحال شخصية، اللهم إذا كانت شخصية الفقراء مستباحة ويمكن لكل من شب وهب (من الشباب والهيب هوب) أن ينتحلها دون أن يطوله القانون. والعالم الثالث؟ ألا يكون محض موضة هو الآخر؟ فالرثاثة هي السمة العامة لمعظم مظاهر حياته، والمعارك المزمنة تكاد تتركز في ساحاته دون غيرها، وبعض بلدانه ندوب حقيقية في وجه خارطة العالم، وبعض شعوبه تتمرغ في الذل و الهوان، والكثير من دوله عجفاء وترفل في الخِرق التي صارت إليها بعد أن مزقتها الحروب والنعرات…ولهذا علينا أن ننظر إليه على أنه في منتهى الموضة التي ارتأت حصافة حكامه أن تفرضها عليه بتجنيبه كل أسباب الرفاهية وما تجلب من أمراض، فوضعت ثروات بلدانها في حسابات سرية… وتلك موضى أخرى.