آخر الأخبار

عودة المسيح الى بيت لحم

نزار قباني

يفكر السيد المسيح بالعودة الى مسقط رأسه في بيت لحم .. ولكنه يتذكر فجأة أن مدة جواز سفره قد انتهت .. وان السلطات اليهودية وضعت اسمه على قائمة الممنوعين من دخول فلسطين .. وفرضت على امه الإقامة الجبرية .. فيبحث عن شقة خالية في بيروت تتناسب مع مكانته التاريخية .. يأخذه السماسرة الى عمارات الرملة البيضاء و شارع فردان .. يطلبون منه إكراما لعينيه, و تقديرا لسمعته العالمية, 25 ألف ليرة بدل إيجار سنوي .. يجيبهم أنه قد عرف الصلب مرة واحدة ولا يرد أن يصلب مرة اخرى …
يشعر السيد المسيح.. بالجوع.. والتعب.. والخيبة.. فيتسلل إلى حديقة الصنائع.. وينام… يرى في أحلامه جبال الجليل, وبحيرة طبريا, و نهر الأردن.. و يتذكر المغارة التي ولد فيها في بيت لحم, وفراش القش الذي نام عليه, يتذكر الارض الطيبة, و الخراف البيضاء, وأشجار البرتقال والزيتون .. رائحة أمه.. يجئ حارس الحديقة مع الفجر ويطلب إليه مغادرة المكان, لأن أنظمة البلدية تمنع النوم في الحدائق العامة.. يحمل السيد المسيح جوعه, وتعبه, وخيبة آماله.. ويمشي باتجاه البحر..
البواخر تفرغ حمولتها… ألوف الصناديق تتكوم على رصيف المرفأ حاملة بضائع عيد الميلاد من أشجار, والعاب, وثياب, ومشروبات, و ديوك حبش…
كل الصناديق مستوردة باسمه.. ولكنه لا يملك واحدا منها…
كل أشجار السرو والصنوبر تضاء باسمه.. ولكنه لا يستريح تحت واحدة منها…
كل ديوك الحبش … تذبح على اسمه .. وتحشى باللوز والزبيب على اسمه .. ولا يستطيع أن يأكل قطعة منها…
أيها المسيح العظيم
اني اعتذر لك, باسم بيروت, وباسم كل العواصم التي تأكل على حسابك, وتشرب على حسابك, وتسهر و ترقص على حسابك…
أيها المسيح العظيم
انني ادعوك الى منزلي, فهل تقبل دعوتي إلى العشاء

 

مجلة الأسبوع العربي 7\1\1974