آخر الأخبار

كلاب المغرب و كلاب تركيا

يثير انتباه الزائر لمدينة اسطنبول التركية الانتشار الكبير لكلاب ليست ضالة، بل مرحب بها من طرف الأتراك الذين يقدرون هذا الحيوان ، وهو بدوره يحترم السكان وزوار المدينة على السواء.

اينما وليت وجهك بأسطنبول تجد طعام الكلاب ” الكروكيت ” بجانب صحون من الماء، تلتهمها هذه الحيوانات التي لم تعد أليفة بالمغرب، قبل أن تغض في نوم عميق واحلام لذيذة،  لا تعكر صفوها حركية المرور و الازدحام الذي تعرفه هذه المدينة العالمية .

سواء بالقسم الاوربي او الآسيوي تحظى الكلاب برعاية خاصة ، لا حاجة للاتراك ب ” كريصة الكلاب ” وعمليات الإبادة التي تخصص لها بعض الجماعات الترابية بالمغرب الملايين ( مراكش 900 مليون سنتيم ).

الظاهرة الكلابية المزعجة، التي أودت بحياة طفلة في عمر الزهور ضواحي أگادير، و هاجمت سائحة أجنبية بالقرب من الداخلة، و التي اضحت تتعايش بين ظهرانينا في صمت منقطع النظير، لم تعد حكرا على الأحياء الشعبية أو الهامشية، بل باتت مشاهدها المقلقة، تحضر بقوة حتى في الأحياء المتوسطة والراقية وفي الشوارع الرئيسية والمدارات الكبرى، وعند مداخل المدن وفي الأسواق الشعبية وأمام المدارس والمساجد والمحلات التجارية.

كما لم تعد هذه الظاهرة طابعا مميزا للمدن المتوسطة والصغيرة، بل باتت تحضر صورها حتى في المدن الكبرى التي يفترض أن تكون محصنة من طقوس العشوائية والعبث والفوضى الخلاقة.

الظاهرة المقلقة قد يربطها البعض بالأزمة العامة للمدينة المغربية التي تتخبط في مشاكل بالجملة يتقاطع فيها الاقتصادي بالاجتماعي والتجهيزي بالتدبيري.

وقد يفسرها البعض الآخر بامتداد الممارسات الريفية في الأوساط الحضرية في إطار ما يعرف بظاهرة ترييف المدن.

وقد يرى فيها البعض الثالث مرآة عاكسة لما تعيشه المدن المغربية من فوضى تدبيرية نتيجة غياب أو تغييب سلاح ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وقد يعتبرها البعض الرابع فشلا ذريعا لسياسة إعداد التراب الوطني في بعديها الوطني والجهوي… ومهما استرسلنا في رصد العوامل المتحكمة في هذا “الكابوس الكلابي” المزعج، لابد أن نكون متفقين على أن “الكلاب الضالة” التي تتسكع في الشوارع والأحياء والطرقات والمدارات ما هي إلا جزء لا يتجزأ من منظومة مجتمعية أضحت أكثر تطبيعا مع اللانظام أو الفوضى.

ما تعيشه المدن المغربية من أزمات مكشوفة للعيان بقدر ما يسائل كل الجهات المتداخلة في سياسة المدينة والتنمية المحلية والجهوية بقدر ما يتضح أن السيل بلغ الزبى، ونحن نتابع مأساة طفلة بريئة تقع ليس فقط ضحية كلاب ضالة أوقفت عنوة عقارب حياتها، ويائحة احبت المغرب ، قبل أن تجد نفسها في مواجهة الكلاب، بل هي ابتداء وانتهاء ضحية سياسات عمومية وجهوية فاشلة، وضحية مسؤولين مهملين ومقصرين يضعف لدى الكثير منهم منسوب المسؤولية والضمير المهني والالتزام والمواطنة الحقة، وضحية مجتمع يكرس ثقافة اللانظام بأنانيته وعبثه وتهوره وانعدام مسؤوليته، وضحية واقع سياسي منتج للعبث…

وقبل هذا وذاك ضحية دولة، لا بد لها أن تشهر سيف “ربط المسؤولية بالمحاسبة” في وجه العابثين والفاسدين والمتهورين من مدبري الشأن العام والجهوي والمحلي، ممن يحرمون الوطن من فرص النهوض والرخاء والازدهار، بممارساتهم اللامواطنة.

رحمة بالمواطنين ورأفة بالأطفال الصغار، وإنقاذا لمدننا التي باتت تتشارك صور البؤس والإقصاء والتخلف والفوضى، وحرصا على صورة البلد وإشعاعه الدولي كوجهة سياحية عالمية، مما يحتم على كل المسؤولين المتداخلين في سياسة المدينة وما يرتبط بها من تنمية جهوية ومحلية أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة أمام الله والوطن والملك، ويتحلوا بالضمير المهني والمواطنة الحقة، ويتحركوا في اتجاه ليس فقط تخليص المواطنين والأجانب من عصابات الكلاب الضالة التي باتت طابعا مميزا للمدينة المغربية؛ بل والمضي قدما في اتجاه كسب رهانات مدن نظيفة، خضراء، أنيقة  و جذابة ، تقطع مع كافة ممارسات العبث والفوضى ومشاهد التخلف والانحطاط.

لمدينة بابي الجهد هناك قطعة شعبية مرثية يتغنى صاحبها بكليه الذي توفي في حادثة عرضية تقول :

آ الله اموت آ الكلب

آ الله آ موت آ الكلب

آ كلبي يازين الكلاب

آ لحمو كتاع الذئاب

آ الله اموت الكلب ….

 

 

 

صورة كلاب مغربية تجوب الشوارع و تهاجم المارة .