آخر الأخبار

.هل هي جريرة مقصودة لإضعاف لغة القرآن ؟! 

ذ. عبد الرحمان الخرشي

أنا هنا أميل إلى أن لا أحاكم الفعل، كما لا أبحث عن الفاعل بالقصد أو بغير قصد، وإنما أحكي عن ملامح عامة لواقع تشكلت في إطاره تجليات ما بدا لي أنه جريرة معالمها واضحة ومقصودة كانت الغاية منها إضعاف اللغة العربية في دولة المغرب الحبيب؛ والفاعل يمكن أن نعرفه جميعنا دون عناء!

فالناظر إلى واقع اللغة العربية بالمغرب المعاصر، والمتأمل في هذا الواقع المضطرب بصفة عامة يدرك أنها تعاني مشاكل واقعية ومادية حقيقية، وتاريخية منشأها ضمور الاهتمام الملموس بها وبالروافد التي كان من الواجب أن تحميها؛ وهي تلك المتمثلة في اجتثاث منابعها العلمية الأثيلة التي بنيت على جهود جهابذة العلم وفطاحل الفقه والأدب، وتغييب المواد الدراسية المحافظة للغة العربية على روائها ورونقها جملة، ورونق أساليبها البيانية، وجمال بيانها بالذات، بل وقوة إبهار بعض ألفاظها، ودلالاتها تعبيراً عن كل ما يربط الإنسان بالحياة والكون وما جد فيهما، ناهيك عن إهمال صارخ طالها وطال المشتغلين بها، وبث كثير من السموم التي خلف متاريسها وأسس لبنائها خدام أهداف الاستعمار !

والمتأمل في هذا الواقع المرير اليوم يدرك بداهة أن واقع اللغة العربية يتسم بكثير من المرارة، ويعكس الانكسار والإحباط، وأن وضعها لا يمكن وصفه بأقل من كونه مأساة إنسانية ودينية مؤلمة، ومحزنة أطاحت بالأماني المُخزَّنة في النفوس، مما جعلنا نوقن جازمين أن بعض من نظنهم الحُماة اليوم- بعضهم قدم من جحور السياسة – أداروا لها ظهر المِجَـنْ، أو إنهم استسلموا لمن باعوها للسياسة، وربما انخرطوا عملياً في العمل على تصفيتها والقضاء عليها في الواقع المتعيش” تكتيكيا “، وهي- في واقع الأمر – لم تفعل بهم وبأجدادهم- سلفاً – إلا ما رأوه تجلياً وفي الواقع خيراً؛ فهي ضامنة وحدتهم، ووعاء كنوز ثقافتهم، وفتيلة اتقاد فكرهم، وزناد عبقريتهم في إبداعهم البياني النثري والشعري وغيرهما، وهي جامعة أمرهم، والمحرضة لهم على العمل والتفاهم والتماسك والوحدة والسيادة لغاية التعايش المثمر فوق هذه البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

أنا لا يعنيني في الأمر ما تعرفه الساحة المغربية من تعدد اللغات الأجنبية- وهو وضع إيجابي وصحي إن تم ترشيده وتحددت غاياته – ولكن الذي يعنيني أكثر أن هذه اللغات صارت تتعدى حدود أنها قاطرة تصلنا بالآخر والتواصل معه عبر قاطرات منها قاطرة الثقافات الأخرى، إلى أننا مكناها من رقابنا لابتلاع مقومات لغتنا، وعززنا لها السبيل لترمي بلغتنا إلى الانحدار نحو التيه، والانتصار عليها- بوسائل شتى – تمكيناً للهجات العامية المتنوعة التي أقر أنه بالرغم من كونها أحد محددات هويتنا وثقافتنا المغربية في مسار تاريخي محدد، ووفق أسباب موضوعية، فإنها لا يمكن أن تمثل البديل للغة العربية فوق تراب المملكة في شتى المجالات الإدارية وفي المعاملات على شتى أنواعها، ولكنني أضع في الاعتبار أن اللغة العربية- لغة القرآن الكريم – هي اللغة الأولى دستورياً في وطننا المغرب، وأنها لم تكن لغة القرآن الكريم إلا باعتباره الموحد، ولغة الدين الإسلامي الحنيف الجامع؛ الدين الذي ارتضيناه لنا- نحن المغاربة أبا عن جد – ديناً موحدا ومهذبا ومرشدا لنا، وهي فوق هذا وسيلتنا الفعالة لالتحامنا وتواصلنا مع أمتنا العربية في شتى أنحاء المعمورة.

كما لا يعنيني ما تخضع له اللغة العربية من التأثيرات السلبية المعروفة في الواقع المغربي من خلال وسائل الإعلام، وبفعل عامل الإشهار المفروض على أنظارنا قسراً وقهراً في هذه الوسائل، وفي غيرها؛ سواء في الطريق، أم أمام المؤسسات العامة والخاصة والمتاجر، وفي بعض الملابس، والبضاعة التي نحملها إلى البيت وقد دفعنا فيها ثمناً من جيوبنا وهي- في الأساس – حرب علينا وعلى لغتنا العربية في الصميم.

لن أبرئ ما نطلق عليه الشعر/الإبداع فهو تلك الشرارة التي تحرق عَظمَة وجَلال هذه اللغة باستعمال حروفها كما لن أبريء” الكلام العامي ” في أكثر من مجال، ناهيك عن جل وسائل الإعلام، والصحافة، والكتابة السردية !

 

متى نستفيق من هذا السبات وكيف يتأتى لنا ذلك الحلم المشروع ؟!

 

—————————-

* الباعث على كتابة الموضوع أنني شاهدت في هذا الفضاء صورة جمعت بعض أساتذتنا درسونا بعض مواد اللغة العربية في كلية اللغة العربية” … مِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖوَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا “( سورة الأحزاب الآية: 23 ).. اللهم اجز عنا المتوفين منهم بالرحمة والمغفرة ومتعهم بالفردوس الأعلى.