آخر الأخبار

جادت قريحة الشاعر

إدريس بوطور 
من التعابير العربية التي نتفاعل معها مرارا في قراءتنا للصحف أو المجلات هذا التركيب ” جادت قريحة الشاعر الفلاني في احدى المناسبات بقصيدة مؤثرة …” فكل ما يبدع الإنسان من نظم الكلام وأدبه مصدره القريحة . القريحة هي الطبيعة التي فطر الخالق عليها الانسان ، وهي كذلك ملكة وموهبة نظم الكلام والتفنن في صناعته . وقد عرف عن العرب قبل الاسلام القريحة المنسابة في بديع الكلام ، حيث اشتهروا بعقد موسم للشعر تتنافس فيه القرائح ، وتقام المقابلات بين الشعراء ، والمناظرات بين اللغويين . وقد أصبح هذا الموسم تقليدا عند العرب بعد الاسلام ، حيث سار على نهجه الخلفاء الأمويون والعباسيون وذلك بإقامتهم لمقابلات ومناظرات أدبية وشعرية بين الشعراء واللغويين كان لها أبلغ الأثر في الرفع من مستوى الابداع الشعري واللغوي العربي. القريحة الشعرية والأدبية هي ملكة من الملكات الإنسانية ، إذا لم يتعهدها صاحبها بالشحذ والترييض والقراءة زالت وجف معينها . وفي هذا يقول ابن خلدون في المقدمة (القريحة مثل الضرع تدر بالامتراء وتجف بالترك والإهمال ) * تدر* أي تعطي الحليب ، *الامتراء* هو عملية الحلب بجر حلمات ضرع الناقة كي يخرج ما فيه من حليب، وإذا لم تتم عملية الامتراء بشكل سليم فإن الضرع ينضب ويجف حليبه . فلنحافظ على ضرع اللغة العربية الفصيحة من الاجتفاف ، ولنجعل دره وحليبه دائم العطاء ، قادرا على مواجهة سائر العواصف والأنواء ، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بتقوية قريحة اللغة العربية الفصيحة وزرع حبها والشغف ببيانها وبلاغتها وشعرها لدى أطفالنا وشبابنا انطلاقا من تحبيب قراءة القرآن الكريم ،وعيون القصائد ، وبديع المنثور من الأدب العربي، والتفاعل مع المعاجم اللغوية العربية الفصيحة ، ففي هذا التحبيب والترغيب استمرار لحياة لغة الضاد الرائعة لغة الذكر الحكيم ، وفائدة فكرية وروحية ووجدانية عميقة /