آخر الأخبار

الــتــربــيــة والــتعــلــيـم

إدريس بوطور 

في تفاعلنا اللغوي مع بعض المصطلحات أو التسميات نقول “التربية والتعليم” أو “التربية والتكوين” ، حيث تسبق كلمة التربية على التعليم والتكوين . فهل هذا التفاعل بمحض الصدفة أم أن هناك قصدا سديدا ؟ ! . لملامسة الفرق بين الكلمتين يمكننا استشارة مفهومهما في بعض اللغات الحضارية القديمة كاللغة اللاتينية ، فنجد كلمة struere والتي اشتق منها الفعل الفرنسي instruire، تعني “كدس وراكم” وبالتالي فإن التعليم ارتكازا على هذا المفهوم هو تكديس لمعلومات في الفكر لتوظيفها في أغراض معينة ، وغالبا ما يكون هذا التكديس سطحيا ولا ينفذ الى الأعماق ، أو اضطراريا للحاجة اليه دون الرغبة فيه . أما عمل التربية فهو أعمق من ذلك ، فأصلها اللغوي اللاتيني هو الفعل ducere ، ومنه اشتق الفعل الفرنسي éduquer، ويعني اخراج الطاقات الكامنة لدى من نعلمهم وإظهارها وتفتيحها. والمربي الناجح هو الذي يساعد الطفل على تكوين شخصيته وابراز طاقاته المبدعة الخلاقة ، ليتم بعد ذلك صقلها بالتكوين والمعرفة. وبناء على ذلك فالتربية هي تكوين الفكر لدى المتلقي وتدريبه على الملاحظة والبحث ، وتعليمه كيف يتعلم . يقول عز وجل ولم يزل قائلا عليما (وترى الارض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) ، لإدراك عميق لما سلف يمكننا إسقاط هذه الآية على مجال التربية والتكوين . فالأرض في الآية هي الطفل المتلقي ، والماء هو المهارة التي يوظفها المربي لاستخراج الطاقات الكامنة وابرازها ، والنتيجة أن تهتز الأرض وتربو وتخرج ما بباطنها أي ينمو الطفل وينفتح عل محيطه . فالأرض / الطفل متوفرة باطنيا على الأسباب التي تجعلها تنمو وتظهر ، ما تحتاجه هو الماء/التربية لإخراج ما تضم أعماقها أي المواهب الكامنة لدى المتلقي . خلاصة ما سلف يمكنني القول دون تردد أن أصعب مهنة وأعقدها في هذا العالم هي مهنة التربية والتكوين الانساني ، فطريقها شائك ومنهجها صعب المراس لا يرتاده ويسلكه إلا المتمرس الخبير .