إدريس الأندلسي
هل من “السميعة ” أو كما يسميه الفرنسيون “ذوي الأذن الموسيقية ” من سينسى ” أعطني الناي و غني ” أو رائعة أخرى لسيد درويش لا يغنيها الا أصحاب الصوت الحسن و الحس الأحسن و هي ” دور أنا هويت “. وهل سيعرف شبابنا المحب للموسيقى جمال تموجات أداء صالح عبد الحي في أغنية ليه يا بنفسج بتبهج و انت زهر حزين “. و الأسئلة عن بهجة في النفوس تركتها أم كلثوم عبر بحر من الجمال عبرته طيلة حياة عطاء و سحر و كرم. قال شيخ الأزهر حين رحلت ” الست ” إنها صوت أتى من السماء و رجع إلى السماء.
تغنى عبد الوهاب بقصائد أمير الشعراء و لن ننسى جارة الوادي التي ظنها الكثير فاتنة من أهل البشر و هي في فكر الأمير مدينة زحلة اللبنانية التي يمر في احضانها ” وادي الكلب” و قد شهدت هذه المدينة الجميلة ميلاد جورج جرداق صاحب رائعة ” هذه ليلتي و حلم حياتي”. و في السودان ولدت قصيدة ولدت من رحم النيل الأزرق لتصف هيام شاعر كم تمنى غدا للقاء محبوبته و هو يعبر عن خوفه من “لقاء الموعد” و لكنه يرجوه اقترابا.
و يستمر المبدع في نسج الجمال في توافق بين أحمد رامي، شاعر الشباب و السنباطي إبن مدينة المنصورة بوجودها على ضفاف النيل. و للذكرى كانت هذه المدينة التي أنجبت عشرات نجوم الأدب و الفن بمصر، محطة أولى في زيارة الراحل محمد الخامس في زيارته بعد الاستقلال إلى بلاد الأهرامات. و لا زال أهل المنصورة يعبرون مدينتهم مرورا بشارع محمد الخامس.
و تستمر حياة الإبداع في الحياة مع أحمد البيضاوي و تعامله الجميل مع أشعار الكبار و ايقاعات الوطن و بدايات تأسيس مدخل المغرب إلى ما كان يسمى بالموسيقى العصرية. و تستمر الحيوية مع ابراهيم العلمي و قدرته على صنع جملة موسيقية تخاطب الوجدان و تسهم في زرع رهافة السماع. ” خايف عليك إلى يعذبوك ا سيدي…”
و بعد عبد الوهاب اكومي الأستاذ المؤسس لنهج تحويل النمط التعبيري الموسيقي إلى عصر التدوين، سنسمع الكثير من الأصوات و الألحان و الأوزان. أخذ أمير الإيقاع المغربي، عبد القادر الراشدي، مكانا مرموقا في خزانة الموسيقى المغربية و توالت الإبداعات مع انتفاضة عبد الوهاب الدكالي و التي اثمرت عطاءات لا يمكن أن تنسى. و أستمر العطاء كلمات و ألحان و أصوات من خلال عبد الهادي بلخياط و محمد الحياني و محمد بن عبدالسلام و محمد جبران و إسماعيل أحمد و أحمد العلوي و القدميري وغيرهم من المبدعين.
و لازال العاطي يعطي. فبعد محطة المؤسسين الأولى و الثانية ظهرت أصوات و ألحان حملتها سميرة بن سعيد و نعيمة سميح و عزيزة جلال و بعض أبناء و بنات جيلهن. و لأن الإبداع في مجال الموسيقى لا ينقطع برزت أعمال تنتمي إلى ذلك المنتوج الذي يصمد في وجه زمن السرعة و الكمبيوتر و الانترنيت و سوق ” اللايكات “. ومن هؤلاء الصامدين مبدعون اقسموا على المحافظة على ربط ماض بحاضر بفن و بإبداع. و من بين هؤلاء مبدع ألحان و أشعار لا زالت لديه قوة الإيمان بدور الموسيقى في إدخال البهجة إلى النفوس. إنه الفنان نعمان لحلو الذي سافر هو إنتاجه و فرقته الموسيقية إلى بعض المدن. فكان اللقاء حارا و التفاعل جميلا و صدى الأغنية عميقا. كم هي خفيفة روح الفنان الذي يسعى إلى أن يروي عطشان إلى وصال مع النغم الجميل و الصادق. غنى محمد عبد الوهاب قبل رحيله قصيدة ختمها موجها همساته لحبيبته ” فأنت هي الدنيا.. تبسم ثغرها…تردد ألحاني و تروي مشاعري..”
و لكل من يحب رسالة الفن الجميل ادعوه للاستمتاع إلى ما هو جميل. و للتذكير فالجمال لا حدود له و لا جغرافية تصد صداه من أقصى الأرض إلى أقصاها.