آخر الأخبار

الشفافية الضريبية : أدواتها  موجودة  و الباقي إرادة سياسية 

إدريس الأندلسي  

حدد الدستور حقوق الوطن على المواطن في الإسهام في الدفاع عن حدوده  و في الإسهام، كل حسب قدراته،  في الصرف على المرفق العام.  و المقصود أن كل مواطن لا يحب بلده بالروح  و الجسد  و المال حسب قدرته لا يمكن أن نصفه بشيء آخر غير الخيانة.  و الضريبة عنصر أساسي في ضمان استمرارية العيش المشترك.  و ما أكثر المشتكين من ثقل الضريبة  و أغلبهم من أغنياء الوطن و ليس ممن يؤدون يوميا واجباتهم الضريبية عبر استهلاكهم للمواد الغذائية  و الدواء  و الماء  و الكهرباء  و خدمات  و سلع متعددة.  و هؤلاء لا يشتكون من الضريبة بل من ضعف مداخيلهم  و وصولهم إلى خدمات صحية  و تعليمية  و قضائية تجعلهم يشعرون بحرقة الإنتماء للوطن. 

الضريبة على القيمة المضافة جزء من العبىء الضريبي الذي يتحمله المواطن المستهلك  و لا تتحمله المقاولة.  كثير من الكذب و  التحايل يلف هذه الضريبة غير المباشرة.  من يبيع سلعة أو يقدم خدمة مقابل قيمة مالية هو مجرد محصل لضريبة عليه دفعها بدل المستهلك إلى خزينة الدولة.  و رغم وضوح القاعدة الضريبية في مجال الضريبة على القيمة المضافة، تتفتق إمكانيات الذكاء السلبي لاستغلال مال دفعه المستهلك النهائي  و تعرض له غشاش  و متهرب يريد تقليص قدرة الوطن لحماية حقوق المواطنين.  و للتذكير فإن مبلغ الضرائب غير المباشرة  و التي تؤدى من قبل الولادة  و حتى بعد الممات يشكل مكونا هاما في بنية الضريبة سواء تعلق الأمر بما يتم تحصيله داخليا  أو بمناسبة عمليات الاستيراد.

عملت الدولة منذ سنوات على تصحيح   وضعية أثرت سلبا على بعض المقاولات  و أغلبها شركات تنتمي إلى القطاع الخاص.  وهذه الوضعية ترتبط بما يسمى  بالمصدم.  و الأمر يتعلق بالفرق الذي تؤديه المقاولة المستوردة لسلع  و خدمات  و ما تحتسبه، طبقا للقانون الضريبي،  في فاتورتها على المتعاملين معها.  و للمثال و للتبسيط كان المكتب الوطني للسكك الحديدية يستورد تجهيزاته مع أداء نسبة 20% كضريبة على القيمة المضافة  و التي يجب أن يسترجعها من خلال الضريبة التي تطبق على مبيعاته لمستهلكي خدمات النقل السككي  و التي كانت محددة في 14%. و نفس الأمر كان يهم مقاولات أخرى.  و لهذا تم  وضع نظام لتصفية المتأخرات  و توصل المتضررون من المصدم بجزء كبير من حقوقهم و مسلسل تصفية هذا الملف مستمرة. 

و لكن الأمر الكبير لا زال يتعلق بالعدالة الجباءية. و لهذا تم عقد المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات تحت شعار العدالة.  و لكن تجري المياه بما لا تشتهيه السفن.  و لأول مرة في تاريخ هذه المناظرات تم تهييئ أرضية  و معطيات  و تم وضع نظام معلوماتي  و بنك معلومات  و شبكة تباذل معطيات عرت كل نقائص التحصيل الضريبي.  و قيل عن المنهج الذي اتبعته الإدارة العامة للضرائب أنه خطير  و أنه سيدخل البلاد في أزمة ثقة  و قد يؤدي إلى زيادة حدة الأزمة التي تعيشها بعض القطاعات  و على رأسها قطاع العقار.  و قامت حملات مغرضة ضد الشفافية وصلت الى حد مقايضة أداء الضريبة بطرد عاملين في بعض القطاعات حيث تم اعتبار تشغيل عمال  و موظفين خدمة اجتماعية تقوم بها بعض المقاولات  و خصوصا في قطاع الصحة.  و شهدت المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات مشادات بينت أن العدالة الضريبية الدستورية لا زالت تواجه عراقيل كبيرة  ممزوجة بخطاب خاطئ. و مع الأسف تقف القوى السياسية  و النقابية موقف المتفرج السلبي إتجاه قضية كبرى تهم سير  و ديمومة المرافق العمومية. 

الأنظمة المعلوماتية التي طورتها الإدارة العامة للضرائب فضحت ممارسات خبيثة  في مجال الضريبة على الدخل المهني  و الضريبة على الشركات.  و لضمان تليين الدخول إلى منطقة القانون بالنسبة للكثير من المهن الكبيرة، عقدت هذه الإدارة مشاورات مع المحامين  و الأطباء  و المهندسين  و الموثقين  ووضعت أمامهم كل المعطيات الحقيقية عن  وضعهم الضريبي المختل.  فاعترف البعض بالخلل  و التهرب الضريبي  و لجأ البعض إلى نهج وسائل تبرير تخالف المبدأ الدستوري الخاص بالمساواة أمام  واجب أداء الضريبة.  و الادهى من هذا توصلت إدارة الضرائب بفضل كفاءة اطرها إلى الكشف عن أشكال خطيرة في مجال الغش.  و هكذا أظهرت أنظمة المعلومات كيف أن شركات أقفلت أبوابها  و توقفت انشطتها لا زالت تصدر فواتير وصلت إلى مبلغ 53 مليار درهم قبل بدئ أشغال المناظرة الضريبية.  و لأن مواجهة هذا الواقع صعبة اكتفت المناظرة بإصدار توصيات عن إمكانية تخفيف العبىء الضريبي على الدخل مع ربط هذا الإجراء بتوسيع الوعاء الضريبي.  و مرت بضع سنين  و مر القانون الإطار للضرائب و لا زال الحال  في الغالب على ما هو عليه رغم ما تحقق .  ضاق الأمر بمن سهروا على تطوير أساليب العمل المؤدية إلى الشفافية  و العدالة الضريبية  و انصرفوا بمرارة . كم نحن في حاجة إلى تلك الروح التي اشتغل بها أطر الإدارة العامة للضرائب بكفاءة عالية  و روح  وطنية لكي يتم تحقيق العدالة الجباءية.  صحيح أن أزمة الكوفيد كانت صعبة لكنها لم تكن حاجزا بالنسبة لكل القطاعات في مجال  تحقيق رقم المعاملات  و الأرباح. 

العدالة الضريبية ليس وسيلة لتكثيف الضغط على المواطنين  و لكنها مبدأ دستوري يساوي بين المواطنين في الحقوق و  الواجبات.  قد نختلف مع  وزير العدل في بعض المواقف  و لكن لا يمكن الإختلاف معه في مجال معاملة حاملي البذلة السوداء كباقي المواطنين في أداء الواجب الضريبي كل حسب قدرته  و كذلك كل المهن و كل المقاولات و عموم المواطنين.  و نفس الشيء يجب أن ينطبق في مجال الخدمات الصحية و ما يحيط بها من ممارسات تقهر المواطن  و يضيع معها حق خزينة الدولة.   و الأمر هنا لا يعني كل المواطنين الشرفاء  و هم كثر  و كذلك المقاولات المواطنة  و هي كثيرة.  القانون هو تلك القواعد العامة التي تطبق على الجميع من أجل ضمان استمرار العيش المشترك. فإما أن نستمر في مسلسل بدأ منذ سنوات  و تمت عرقلة ديناميكيته،  وإما أن نستسلم للضغط في إتجاه تبرير واقع قد يزيد من حجم مديونية الخزينة العمومية.  و للتذكير وقف صف متراص ضد وضع نظام معلوماتي لتحصيل  و ضبط وعاء الضريبة السنوية على السيارات قبل سنوات فكانت النتيجة تقليص تكاليف التحصيل  و زيادة مداخيلها بحوالي 20%. و  و على السياسيين إتخاذ قرار دعم الإدارات العمومية لتحسين اداءها أو ترك الأمر على ما هو عليه.  و لكن إختيار الدولة بعد وضع نموذج جديد للتنمية هو احداث القطيعة كاختيار إستراتيجي.