آخر الأخبار

الـفـوضـى وعـدم الـتـركـيـز

إدريس بوطور.

(رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ** تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم ) ************* إنه بيت من معلقة الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى ، صور من خلاله اعتقاده الفلسفي لمصيبة الموت التي لم يتركها الاسلام بعد ذلك للصدفة وأطرها بقوله عز وجل ” لكل أجل كتاب” ** لكن مرامي وأربي من تدوينة هذا المساء هو تحليل التركيب اللغوي الوارد في البيت أعلاه “خبط عشواء ” وهو من الأقوال العربية القديمة السائرة التي تفيد الفوضى وعدم التركيز ، وقد يصل مفهومها إلى التهور . والعشواء عند العرب هي الناقة الضعيفة البصر نهارا والتي لا تبصر ليلا ، فيؤثر هذا الخلل على سيرها حيث تخبط الأرض بمنسميها ولا تتفادى الحفر والعوائق ، وقد تصطدم بحواجز وموانع، وهي في عرف العرب لا يرجى منها خير لصاحبها ** أما الخبط فهو الضرب بعنف وتهور دون تسديد ، كما أن هذه الكلمة وردت في عدة مواطن مجازية في اللغة العربية . فهناك “خابط ليل” وهو طارق باب الدار بشدة ليلا وقت السبات والسكون ، وغالبا ما يكون من ورائه خبر مفزع أو مسبب لسوء أو اضطراب. كما أن الجاحظ ربط “خبط عشواء” بالغضب الشديد حين قال ( الغاضب هو الذي يخبط خبط العشواء ويحكم حكم الورهاء ” والورهاء هي الحمقاء ) . والخبطة ( بكسر الخاء) هي مس من الجنون وما ينتج عنه من اضطراب . وتخبطت البلاد أي وقعت فيها الفتن والفوضى ** من خلال التوضيحات الآنفة الذكر يتجلى أن هذا القول العربي القديم “خبط عشواء” لا يأتي إلا لبيان سوء التصرف والتدبير المؤدي إلى حدوث الفوضى والاضطراب والفتن الوخيمة العواقب ، وفي مقابله الحلم (بكسر الحاء ) والرزانة والتأني ,وكلها صفات محمودة المسالك ، مجنبة صاحبها المزالق والمهالك /